للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشهور، وكان جوده- صلى الله عليه وسلم- يتضاعف فى شهر رمضان على غيره من الشهور، كما أن جود ربه تعالى يتضاعف فيه أيضا، فإن الله تعالى جبله على ما يحبه من الأخلاق الكريمة.

وفى حديث ابن عباس عند الشيخين، قال: (كان النبى- صلى الله عليه وسلم- أجود الناس، وأجود ما يكون فى رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، فلرسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة) «١» .

فبمجموع ما ذكر فى هذا الحديث من الوقت وهو شهر رمضان، والمنزل وهو القرآن، والنازل به وهو جبريل، والمذاكرة وهى مدارسة القرآن، حصل له- صلى الله عليه وسلم- المزيد فى الجود.

والمرسلة: المطلقة، يعنى أنه فى الإسراع بالجود أسرع من الريح، وعبر بالمرسلة إشارة إلى دوام هبوبها بالرحمة، إلى عموم النفع بجوده- صلى الله عليه وسلم-، كما تعم الريح المرسلة جميع ما تهب عليه. ووقع عند الإمام أحمد فى آخر هذا الحديث (لا يسأل شيئا إلا أعطاه) . وتقدم فى ذكر سخائه- صلى الله عليه وسلم- مزيد لذلك.

وقد كان ابتداء نزول القرآن فى شهر رمضان، وكذا نزوله إلى سماء الدنيا جملة واحدة، فكان جبريل- عليه الصلاة والسلام- يتعاهده- صلى الله عليه وسلم- فى كل سنة، فيعارضه بما نزل عليه من رمضان إلى رمضان، فلما كان العام الذى توفى فيه- صلى الله عليه وسلم- عارضه به مرتين «٢» ، كما ثبت فى الصحيح عن فاطمة- رضى الله عنها-. قال فى فتح البارى: وفى معارضة جبريل النبى- صلى الله عليه وسلم- بالقرآن فى شهر رمضان حكمتان، إحداهما: تعاهده، والآخرى: تبقية ما لم ينسخ منه ورفع ما نسخ، فكان رمضان ظرفا لإنزاله جملة وتفصيلا وعرضا وإحكاما.


(١) صحيح: أخرجه البخارى (٦) فى بدء الوحى، باب: بدء الوحى، ومسلم (٢٣٠٨) فى الفضائل، باب: كان النبى أجود الناس بالخير من الريح المرسلة. من حديث ابن عباس- رضى الله عنهما-.
(٢) صحيح: أخرجه مسلم (٢٤٥٠) فى فضائل الصحابة، باب: فضائل فاطمة بنت النبى. من حديث عائشة- رضى الله عنها-.