للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عباس أمثلهما إسنادا، فإن توقى أحد الحجامة كان أحب إلىّ احتياطا، والقياس مع حديث ابن عباس. والذى أحفظ عن الصحابة والتابعين وعامة أهل العلم أنه لا يفطر أحد بالحجامة، انتهى.

وأول بعضهم حديث «أفطر الحاجم والمحجوم» أن المراد به أنهما سيفطران، كقوله تعالى: إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً «١» ، أى ما يؤول إليه.

ولا يخفى بعد هذا التأويل. وقال البغوى فى «شرح السنة» معناه: أى تعرضا للإفطار، أما الحاجم فإنه لا يأمن من وصول شئ من الدم إلى جوفه عند مصه، وأما المحجوم فإنه لا يأمن من ضعف قوته بخروج الدم، فيؤول أمره إلى أن يفطر. وقيل: معنى أفطرا: فعلا مكروها وهو الحجامة، فصارا كأنهما غير متلبسين بالعبادة.

وقال ابن جزم: صح حديث «أفطر الحاجم والمحجوم» بلا ريب، لكن وجدنا من حديث أبى سعيد «أرخص النبى- صلى الله عليه وسلم- فى الحجامة للصائم» «٢» وإسناده صحيح، فوجب الأخذ به، لأن الرخصة إنما تكون بعد العزيمة، فدل على نسخ الفطر بالحجامة، سواء كان حاجما أو محجوما. انتهى.

والحديث المذكور، أخرجه النسائى وابن خزيمة والدار قطنى، ورجاله ثقات، ولكن اختلف فى رفعه ووقفه، وله شاهد من حديث أنس عند الدار قطنى ولفظه «أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبى طالب احتجم وهو صائم، فمر به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «أفطر هذان» ، ثم أرخص رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعد فى الحجامة للصائم، وكان أنس يحتجم وهو صائم. ورواته كلهم من رجال البخارى إلا أن فى المتن ما ينكر، لأن فيه أن ذلك كان فى الفتح، وجعفر كان قتل قبل ذلك.

ومن أحسن ما ورد فى ذلك، ما رواه عبد الرزاق وأبو داود عن


(١) سورة يوسف: ٣٦.
(٢) رواه البزار والطبرانى فى الأوسط، ورجال البزار رجال الصحيح، قاله الهيثمى فى «المجمع» (٣/ ١٧٠) .