للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رمضان، فواصل ناس من المسلمين فبلغه ذلك فقال: «لو مدّ لنا الشهر لواصلنا وصالا يدع المتعمقون تعمقهم، إنكم لستم مثلى» - أو قال: «لست مثلكم- إنى أظل يطعمنى ربى ويسقينى» . وفى رواية: «لا تواصلوا» ، قالوا: إنك تواصل، قال: «لست كأحد منكم، إنى أطعم وأسقى» «١» . رواه البخارى ومسلم.

والمتعمقون: هم المتشددون فى الأمر، المجاوزون الحدود فى قول أو فعل. وفى رواية سعيد بن منصور وابن أبى شيبة من مرسل الحسن: «إنى أبيت يطعمنى ربى ويسقينى» . وعن عائشة قالت: نهاهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن الوصال، رحمة لهم، فقالوا: إنك تواصل. فقال: «إنى لست كهيئتكم، إنى يطعمنى ربى ويسقينى» . رواه البخارى ومسلم إلا أن البخارى قال «نهى» ولم يقل: نهاهم. وعن أبى هريرة قال: نهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن الوصال فى الصوم، فأبوا فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يوما ثم يوما ثم رأوا الهلال فقال: «لو تأخر لزدتكم» كالتنكيل لهم حين أبوا أن ينتهوا، رواه البخارى.

والوصال: هو عبارة عن صوم يومين فصاعدا من غير أكل وشرب بينهما قال شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر: وقد اختلف فى معنى قوله «يطعمنى ربى ويسقينى» . فقيل: هو على حقيقته، وأنه- صلى الله عليه وسلم- كان يؤتى بطعام وشراب من عند الله كرامة له فى ليالى صيامه. وتعقب: بأنه لو كان كذلك لم يكن مواصلا، وبأن قوله: «أظل» يدل على وقوع ذلك بالنهار، فلو كان الأكل والشرب حقيقة لم يكن صائما.

وأجيب: بأن الراجح من الروايات لفظ «أبيت» دون «أظل» وعلى تقدير ثبوتها فهى محمولة على مطلق الكون لا على حقيقة اللفظ، لأن المتحدث عنه هو الإمساك ليلا لا نهارا، وأكثر الروايات إنما هو «أبيت» فكأن بعض الرواة عبر عنها ب «أظل» نظرا إلى اشتراكهما فى مطلق الكون. يقولون


(١) تقدم فى الذى قبله.