للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفى هذا الحديث الشريف يبدأ الله سبحانه بالتوجيه فى قوة إلى صفاء القلب وطهارة النية لأوليائه وأولياوه هم:

الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ ومن عاداهم فإنما يعادى المؤمن التقى ونتيجة هذه العداوة ما يقوله الله تعالى: «آذنته بالحرب» .

ثم يرسم الله تعالى الطريق إلى حبه: وأول خطوة فى هذا الطريق أداء ما فرضته عليه، ولن يتأتى حبه تعالى دون الشرط الأول شرط القرب منه سبحانه، وهو أداء الفرائض.

والحب دون أداء الفرائض زيف وكذب، بل إن أداء الفرائض شرط لحسن الظن بالله.

لقد ترك قوم العمل وقالوا: نحن نحسن الظن بالله وكذبوا، كما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل» . لابد من أداء الفرائض وإلا لما كان لمهملها إلى القرب من الله تعالى من سبيل ومع أداء الفرائض فى جو القرب- الإكثار من النوافل، فإذا أكثر من النوافل أحبه الله تعالى. ويترتب على حب الله تعالى للعبد هذا الخير الكثير الذى ذكره الله سبحانه فى الحديث القدسى.

ويربط أسلافنا- رضوان الله عليهم- ربطا محكما بين محبة الله تعالى واتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم متناسقين فى ذلك مع توجيه الله سبحانه قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ «١» .

وهذا الربط معناه الربط بين محبة الله تعالى والعمل.

ومقدمات محبة الله تعالى هى العمل. ونتيجة محبة الله هى العمل، يقول الإمام أبو سعيد الخراز: وبلغنا عن الحسن البصرى رضى الله عنهما أن أناسا قالوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، إنا نحب ربنا حبّا شديدا فجعل الله تعالى لمحبته علما وأنزل عز وجل: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ «٢» .

فمن صدق المحبة اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فى هديه وزهده وأخلاقه، والتأسى به فى الأمور كلها والإعراض عن الدنيا وزهرتها وبهجتها، فإن الله عز وجل جعل سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم علما ودليلا وحجة على أمته.

ومن صدق المحبة لله تعالى إيثار محبته تعالى فى جميع الأمور على نفسك، وهواك، وأن تبدأ فى الأمور كلها بأمره قبل أمر نفسك ويقول: فعلامة الحب الموافقة للمحبوب، والتجارى مع طرقاته فى كل الأمور والتقرب إليه بكل حيلة، والهرب من كل ما لا يعينه على مذهبه، أما عن صلة المحبة بالإيمان فإن الإمام الغزالى يقول: وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحب لله من شرط الإيمان فى أخبار كثيرة، إذ قال أبو رزين العقيلى: يا رسول الله، ما الإيمان؟

قال: «أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما» .

وفى حديث آخر: «لا يؤمن العبد حتى أكون أحب إليه من أهله وماله والناس أجمعين» ، وفى رواية: «ومن نفسه» . كيف وقد قال الله تعالى: قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَ


(١) سورة آل عمران: ٣١.
(٢) سورة آل عمران: ٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>