للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نور الدين وآدابه وسننه، التى يزم العبد بزمامها، ويلجم المتقى بلجامها، حتى يزن بميزان الشرع، شهوة الطعام فى إقدامها وإحجامها، فيصير بسببها مدفعة للوزر ومجلبة للأجر.

واعلم أن الشبع بدعة ظهرت بعد القرن الأول، وقد روى النسائى وابن ماجه وصححه الحاكم من حديث المقدام بن معدى كرب أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «ما ملأ ابن آدم وعاء شرّا من بطنه، حسب الآدمى لقيمات يقمن صلبه، فإن غلبت الآدمى نفسه فثلث للطعام وثلث للشراب وثلث للنفس» «١» .

قال القرطبى فى شرح «الأسماء» كما نقله شيخ الإسلام والحافظ ابن حجر: لو سمع بقراط بهذه القسمة لعجب من هذه الحكمة. وقال غيره: إنما خص الثلاثة بالذكر لأنها أسباب حياة الحيوان، ولأنه لا يدخل البطن سواها.

وهل المراد بالثلث التساوى على ظاهر الخبر، أو التقسيم على ثلاثة أقسام متقاربة؟ محل احتمال. وقد صح، (المؤمن يأكل فى معى واحد- وهى بكسر الميم مقصور: المصارين- والكافر يأكل فى سبعة أمعاء) «٢» وليست حقيقة العدد مرادة، وتخصيص السبعة للمبالغة فى التكثير، والمعنى: أن المؤمن من شأنه التقلل من الأكل لاشتغاله بأسباب العبادة ولعلمه بأن مقصود الشرع من الأكل ما سد الجوع، ويعين على العبادة، ولخشيته أيضا من حساب من زاد على ذلك، والكافر بخلاف ذلك.

وعند أهل التشريح أن أمعاء الإنسان سبعة؛ المعدة ثم ثلاثة أمعاء بعدها


(١) صحيح: أخرجه الترمذى (٢٣٨٠) فى الزهد، باب: ما جاء فى كراهية كثرة الأكل، وابن ماجه (٣٣٤٩) فى الأطعمة، باب: الاقتصاد فى الأكل وكراهة الشبع، وأحمد فى «المسند» (٤/ ١٣٢) ، وابن حبان فى «صحيحه» (٥٢٣٦) ، والحاكم فى «مستدركه» (٤/ ٣٦٧) ، وقال الشيخ الألبانى فى «صحيح الجامع» (٥٦٧٤) : صحيح.
(٢) صحيح: والحديث أخرجه البخارى (٥٣٩٣- ٥٣٩٥) فى الأطعمة، باب: المؤمن يأكل فى معى واحد، ومسلم (٢٠٦٠ و ٢٠٦١) فى الأشربة، باب: المؤمن يأكل فى معى واحد، من حديث ابن عمر- رضى الله عنهما-.