للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذهب ما فيها من الماء. فمتى اختل شرط من هذه لم تكن معجزة. ولا يقال: قضية ما قلتم: إن ما توفرت فيه الشروط الأربعة من المعجزات لا يظهر إلا على أيدى الصادقين، وليس كذلك، لأن المسيح الدجال يظهر على يديه من الآيات العظام ما هو مشهور، كما وردت به الأخبار الصحيحة، لأن ما ذكر فيمن يدعى الرسالة وهذا فيمن يدعى الربوبية.

وقد قام الدليل العقلى على أن بعثة بعض الخلق غير مستحيلة، فلم يبعد أن يقيم الله الأدلة على صدق مخلوق أتى عنه بالشرع والملة، ودلت القواطع على كذب المسيح الدجال فيما يدعيه للتغير من حال إلى حال، وغير ذلك من الأوصاف التى تليق بالمحدثات ويتعالى عنها رب البريات لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ «١» .

فإن قلت أى الاسمين أحق وأولى بما أتت به الأنبياء، هل لفظ «المعجزة» أو لفظ «الآية» أو «الدليل» ؟.

فالجواب: إن كبار الأئمة يسمون معجزات الأنبياء: دلائل النبوة، وآيات النبوة، ولم يرد أيضا فى القرآن لفظ «المعجزة» بل ولا فى السنة أيضا، وإنما فيهما لفظ «الآية» و «البينة» و «البرهان» . كما فى قصة موسى فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ «٢» ، فى العصا واليد، وفى حق نبينا- صلى الله عليه وسلم- قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ «٣» . وأما لفظ الآيات فكثير. بل هو أكثر من أن نسرده هنا، كقوله تعالى: وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ «٤» وإِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ «٥» . وأما لفظ المعجز إذ أطلق فإنه لا يدل على كون ذلك آية إلا إذا فسر المراد به، وذكرت شرائطه، وقد كان كثير من أهل الكلام لا يسمى معجزا إلا ما كان للأنبياء


(١) سورة الشورى: ١١.
(٢) سورة القصص: ٣٢.
(٣) سورة النساء: ١٧٤.
(٤) سورة الأنعام: ١٢٤.
(٥) سورة الرعد: ٣.