للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفصيح والبلاغة والخطابة، فدل على أن العجز عنه إنما كان ليصير علما على رسالته، وصحة نبوته، وهذه حجة قاطعة وبرهان واضح.

وقال أبو سليمان الخطابى: وقد كان- صلى الله عليه وسلم- من عقلاء الرجال عند أهل زمانه، بل هو أعقل خلق الله على الإطلاق. وقد قطع القول فيما أخبر به عن ربه تعالى بأنهم لا يأتون بمثل ما تحداهم به فقال: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا «١» فلولا علمه بأن ذلك من عند الله علام الغيوب، وأنه لا يقع فيما أخبر عنه خلف، وإلا لم يأذن له عقله أن يقطع القول فى شىء، بأنه لا يكون وهو يكون. انتهى.

وهذا أحسن ما يقال فى هذا المجال وأبدعه وأكمله وأبينه، فإنه نادى عليهم بالعجز قبل المعارضة، وبالتقصير عن بلوغ الغرض فى المناقضة، صارخا بهم على رؤوس الأشهاد، فلم يستطع أحد منهم الإلمام به مع توفر الدواعى وتظاهر الاجتهاد، فقال- وكان بما ألقى إليهم من الأخبار عليما خبيرا-: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً «٢» فرضيت هممهم السرية وأنفسهم الشريفة الأبية بسفك الدماء وهتك الحرم.

وقد ورد من الأخبار فى قراءة النبى- صلى الله عليه وسلم- بعض ما نزل عليه على المشركين الذين كانوا من أهل الفصاحة والبلاغة، وإقرارهم بإعجازه جمل كثيرة: فمنها ما روى عن محمد بن كعب قال: حدثت أن عتبة بن ربيعة قال ذات يوم- وهو جالس فى نادى قريش، ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- جالس وحده فى المسجد-: يا معشر قريش، ألا أقوم إلى هذا فأعرض عليه أمورا لعله يقبل منا بعضها ويكف عنا. قالوا: بلى يا أبا الوليد، فقام عتبة حتى جلس إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فذكر الحديث- فيما قاله عتبة وفيما عرض عليه من المال وغير ذلك- فلما فرغ قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أفرغت يا أبا الوليد؟»


(١) سورة البقرة: ٢٤.
(٢) سورة الإسراء: ٨٨.