للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يحسن كلام العرب وغيرها، وأنه سمع رجلا من أسرى المسلمين يقرأ آية من كتابكم فتأملتها فإذا قد جمع الله فيها ما أنزل على عيسى ابن مريم من أحوال الدنيا والآخرة. وهى قوله تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ «١» الآية.

وقد رام قوم من أهل الزيغ والإلحاد، أوتوا طرفا من البلاغة، وحظّا من البيان، أن يضعوا شيئا يلبسون به، فلما وجدوه مكان النجم من يد المتناول، مالوا إلى السور القصار، كسورة الكوثر والنصر وأشباههما، لوقوع الشبهة على الجهال فيما قل عدد حروفه، لأن العجز إنما يقع فى التأليف والاتصال.

وممن رام ذلك من العرب فى التشبث بالسور القصار، مسيلمة الكذاب فقال: يا ضفدع نقى كم تنقين، أعلاك فى الماء وأسفلك فى الطين، لا الماء تكدرين، ولا الشراب تمنعين. فلما سمع أبو بكر- رضى الله عنه- هذا قال: إنه كلام لم يخرج من إل. قال ابن الأثير: أى من ربوبية، و «الإل» بالكسر هو الله تعالى. وقيل: الإل الأصل الجيد، أى لم يجئ من الأصل الذى جاء منه القرآن.

ولما سمع مسيلمة الكذاب- لعنه الله- و «النازعات» قال: والزارعات زرعا والحاصدات حصدا والذاريات قمحا، والطاحنات طحنا، والحافرات حفرا، والثاردات ثردا، واللاقمات لقما، لقد فضلتم على أهل الوبر وما سبقكم أهل المدر. إلى غير ذلك من الهذيان، مما ذكرت فى الوفود من المقصد الثانى بعضه والله أعلم.

وقال آخر: ألم تر كيف فعل ربك بالحبلى أخرج من بطنها نسمة تسعى، من بين شراسيف «٢» وأحشى وقال آخر: الفيل ما الفيل، وما أدراك ما الفيل، له ذنب وثيل، ومشفر طويل، وإن ذلك من خلق ربنا لقليل.


(١) سورة النور: ٥٢.
(٢) الشرسوف: غضروف على طرف كل ضلع.