للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وما لم يعلموه، فإذا سألوا عنه عرفوا صحته وتحققوا صدقه كالذى حكاه من قصة أهل الكهف وشأن موسى والخضر- عليهما الصلاة والسلام-، وحال ذى القرنين، وقصص الأنبياء مع أممها، والقرون الماضية فى دهرها.

[* والخامس: أن وجه إعجازه هو ما فيه من علم الغيب،]

والإخبار بما يكون، فيوجد على صدقه وصحته، مثل قوله تعالى لليهود: قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ثم قال: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ «١» فما تمناه أحد منهم.

ومثل قوله تعالى لقريش: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا «٢» فقطع بأنهم لا يفعلون فلم يفعلوا. وتعقب: بأن الغيوب التى اشتمل عليها القرآن وقع بعضها فى زمنه- صلى الله عليه وسلم-، كقوله تعالى: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً «٣» وبعضها بعد مدة كقوله تعالى: الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ «٤» فلو كان كما قالوا لنازعوا وقع المتوقع، وبأن الإخبار عن الغيب جاء فى بعض سور القرآن واكتفى منهم بمعارضة سورة غير معينة، فلو كان كذلك لعارضوه بقدر أقصر سورة لا غيب فيها.

[* السادس: أن وجه إعجازه هو كونه جامعا لعلوم كثيرة، لم تتعاط العرب فيها الكلام،]

ولا يحيط بها من علماء الأمم واحد منهم، ولا يشتمل عليها كتاب، بين الله فيه خبر الأولين والآخرين وحكم المتخلفين وثواب المطيعين وعقاب العاصين.

فهذه ستة أوجه، يصح أن يكون كل واحد منها إعجازا، فإذا جمعها القرآن فليس اختصاص أحدها بأن يكون معجزا بأولى من غيره، فيكون الإعجاز بجميعها. وقد قال تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ «٥» فلم يقدر أحد أن يأتى بمثل هذا القرآن


(١) سورة البقرة: ٩٤، ٩٥.
(٢) سورة البقرة: ٢٤.
(٣) سورة الفتح: ١.
(٤) سورة الروم: ١.
(٥) سورة الإسراء: ٨٨.