للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قلت: إن نوحا كان مبعوثا إلى أهل الأرض بعد الطوفان، فإنه لم يبق إلا من كان مؤمنا معه، وقد كان مرسلا إليه، وقد جاء فى حديث جابر وغيره «وكان النبى يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى كل أحمر وأسود» «١» وفى رواية «إلى الناس كافة» .

أجاب الحافظ ابن حجر، - رحمه الله تعالى-: بأن هذا العموم الذى حصل لنوح- عليه السّلام- لم يكن فى أصل بعثته، وإنما اتفق بالحادث الذى وقع، وهو انحصار الخلق فى الموجودين بعد هلاك سائر الناس. وأما نبينا- صلى الله عليه وسلم- فعموم رسالته من أصل البعثة فثبت اختصاصه بذلك.

وأما قول أهل الموقف لنوح- كما صح فى حديث الشفاعة-: إنه أول رسول إلى أهل الأرض، فليس المراد به عموم بعثته، بل إثبات أولية إرساله، وعلى تقدير أن يكون مرادا فهو مخصوص بتنصيصه سبحانه وتعالى فى عدة آيات على أن إرسال نوح كان إلى قومه، ولم يذكر أنه أرسل إلى غيرهم.

واستدل بعضهم لعموم بعثته: بكونه دعا على جميع من فى الأرض فأهلكوا بالغرق إلا أهل السفينة، ولو لم يكن مبعوثا إليهم لما أهلكوا، لقوله تعالى: وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا «٢» ، وقد ثبت أنه أول الرسل.

وأجيب: بجواز أن يكون غيره أرسل إليهم فى أثناء مدة نوح، وعلم نوح بأنهم لم يؤمنوا فدعا على من لم يؤمن من قومه وغيرهم. فأجيب:

وهذا جواب حسن، لكن لم ينقل أنه نبئ فى زمن نوح غيره. ويحتمل أن يكون معنى الخصوصية لنبينا- صلى الله عليه وسلم- فى ذلك بقاء شريعته. انتهى.

وأما قول بعض اليهود: أن نبينا محمدا- صلى الله عليه وسلم- إنما هو مبعوث إلى العرب خاصة، ففاسد. والدليل عليه أنهم- أى اليهود- سلموا أنه رسول صادق إلى العرب، فوجب أن يكون كل ما يقوله حقّا، وقد ثبت بالتواتر أنه


(١) صحيح: والحديث أخرجه البخارى (٣٣٥) فى التيمم، باب: وقول الله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً.... ومسلم (٥٢١) فى المساجد، باب: رقم (١) .
(٢) سورة الإسراء: ١٥.