للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فتح البارى- بعد أن ذكر كلام ابن أبى جمرة-: وهذا مشكل جدّا، ولو حمل على ظاهره لكان هؤلاء صحابة، ولأمكن بقاء الصحبة إلى يوم القيامة.

وللشيخ مسلم شيخ الطائفة المسلمية شعر:

فمن يدعى فى هذه الدار أنه ... يرى المصطفى حقّا فقد فاه مشتطا

ولكن بين النوم واليقظة التى ... يباشر هذا الأمر مرتبة وسطا

وقد جعل القاضى أبو بكر بن العربى القول بأن الرؤية فى المنام بعينى الرأس غلو وحماقة، ثم حكى ما نسب لبعض المتكلمين، وهو القول بأنها مدركة بعينين فى القلب، وأنه ضرب من المجاز انتهى.

فلا يمتنع من الخواص، أرباب القلوب القائمين بالمراقبة والتوجه على قدم الخوف، بحيث لا يسكنون بشىء مما يقع لهم من الكرامات، فضلا عن التحدث بها لغير ضرورة، مع السعى فى التخلص من الكدورات، والإعراض عن الدنيا وأهلها جملة، وكون الواحد منهم يود أنه يخرج من أهله وماله، وأنه يرى النبى- صلى الله عليه وسلم-، كالشيخ عبد القادر الكيلانى: أن يتمثل صورته- صلى الله عليه وسلم- فى خاطره، ويتصور فى عالم سره أنه يكلمه، بشرط استقرار ذلك وعدم اضطرابه، فإن تزلزل أو اضطراب كان لمة من الشيطان، وليس ذلك خادشا فى علو مناصبهم لعدم عصمة غير الأنبياء.

فقد قال العلامة التاج ابن السبكى فى جمع الجوامع- تبعا لغيره-: وإن الإلهام ليس بحجة لعدم ثقة من ليس معصوما بخواطره، وحينئذ فمن قال- ممن حكينا عنه أو غيرهم- بأن المرئى هو المثال، لا يمتنع حمله على هذا، بل حمل كل من أطلق عليه هو اللائق. وقريب منه قوله- صلى الله عليه وسلم-: «إنى رأيت الجنة والنار» «١» مع مزيد استبعاده هناك أن يكون المراد بالرؤية رؤية العلم.


(١) صحيح: والحديث أخرجه البخارى (٧٤٩) فى الأذان، باب: رفع البصر إلى الإمام فى الصلاة، ومسلم (٤٢٦) فى الصلاة، باب: تحريم سبق الإمام بركوع أو سجود ونحوها من حديث أنس- رضى الله عنه-.