للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عنه ودوّن أن الإثم غير منفك عنه بل هو لاحق له أبدا، فإن من سن سنة سيئة عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، والتوبة حينئذ متعذرة ظاهرا وإن وجد مجرد اسمها.

[ومنها أنه معصوم من الذنوب كبيرها وصغيرها]

، عمدها وسهوها وكذلك الأنبياء.

[ومنها أنه لا يجوز عليه الجنون]

لأنه نقص، ولا الإغماء الطويل الزمن، فيما ذكره الشيخ أبو حامد فى تعليقه، وجزم به البلقينى فى حواشى الروضة، وكذلك الأنبياء. ونبه السبكى على أن إغماءهم يخالف إغماء غيرهم، وإنما هو غلبة الأوجاع للحواس الظاهرة دون القلب، لأنه قد ورد أنه إنما تنام أعينهم دون قلوبهم، فإذا حفظت قلوبهم وعصمت من النوم الذى هو أخف من الإغماء، فمن الإغماء بطريق الأولى. قال السبكى: ولا يجوز عليهم العمى، لأنه نقص، ولم يعم نبى قط. وأما ما ذكر عن شعيب أنه كان ضريرا فلم يثبت، وأما يعقوب فحصلت له غشاوة وزالت، انتهى.

قال الرازى: فى قوله تعالى وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ «١» لما قال: يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ «٢» غلبه البكاء، وعند غلبة البكاء يكثر الماء فى العين، فتصير العين كأنها ابيضت من بياض ذلك الماء، وقوله:

وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ «٣» كأنه من غلبة البكاء، والدليل على صحة هذا القول: أن تأثير الحزن فى غلبة البكاء لا فى حصول العمى، فلما حملنا الابيضاض على غلبة البكاء كان هذا التعليل حسنا، ولو حملناه على العمى لم يحسن هذا التعليل، فكان ما ذكرناه أولى.

ثم قال: واختلفوا، فقال بعضهم: إنه كان قد عمى بالكلية، فالله تعالى جعله بصيرا فى هذا الوقت، وقال آخرون: بل كان قد ضعف بصره من كثرة البكاء والأحزان بحيث صار يدرك إدراكا ضعيفا، فلما ألقوا القميص على


(١) سورة يوسف: ٨٤.
(٢) سورة يوسف: ٨٤.
(٣) سورة يوسف: ٨٤.