للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال لمن يصقل هذا السيف؟ أي حتى يذبح به. وحينئذ فيكون فيه إشارة إلى علة النهي عن الكتابة، وهي أن المرأة إذا تعلمتها توصلت بها إلى أغراضها الفاسدة.

واعلم: إن النهي عن تعليم النساء للكتابة لا ينافي طلب تعليمهن القرآن والعلوم والآداب، لأن هذه مصالح عامة من غير خشية مفاسد تتولد عليها بخلاف الكتابة. فإن قلت أخرج أبو داود عن الشفا وذكر حديث الترجمة وفيه علميها الرقية كما علمتها الكتابة وهذا يدل تعليم النساء الكتابة قلت ليس فيه دلالة على طلب تعليمن الكتابة وإنما فيه دليل على جواز تعليمهن الكتابة ونحن تقول به، وإنما غاية الأمر فيه أن النهي عنه تنزيه لما تقرر من المفاسد المترتبة عليه اهـ وحديث الشفا هذا أورده الحافظ السيوطي في الجامع الصغير بلفظ: علمي حفصة رقية النملة، وعزاه إلى أبي عبيد في الغريب عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حتمة قال المناوي في شرحه الكبير فتح القدير: ورقيتها كما في الفائق قروح تخرج بالجنب فترقى فتذهب. ورده بعض أذكياء المغاربة بأنه من الخرافات التي كان ينهى عنها، فكيف يأمر بها؟ وإنما أراد الأول وأراد تأديب حفصة حيث أشاعت السر الذي استودعها إياه على ما نطق به التنزيل بقوله: وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً [التحريم: ٣] .

وقال في التيسير: ورقيتها؛ (العروس تحتفل، وتختضب وتكتحل، وكل شيء تفتعل، غير أن لا تعصى الرجل) اهـ وفي النهاية قيل: إن هذا من لغز الكلام ومزاحه، كقوله للعجوز:

لا تدخل الجنة عجوز إذ رقية النملة شيء كانت تستعمله النساء، يعلم كل من سمعه أنه كلام لا يضر ولا ينفع اهـ. «١»

وفي حواشي البدر الدماميني على البخاري على حديث: ثلاث لهم أجران، رجل كانت عنده أمة يطأها فأدبها وأحسن تأديبها وعلمها فأحسن تعليمها «٢» ، الحديث في باب تعليم الرجل امته وأهله شرائع الدين، لأن هذا الحديث ينسحب على تعليم الإماء، فكيف بالحرائر والأقارب؟ قاله ابن المنير اهـ.

وترجم البخاري عقب الترجمة السابقة باب عظة الإمام النساء وتعليمهن فذكر فيها قول ابن عباس أن المصطفي عليه السلام خرج ومعه بلال فظن أنه لم يسمع فوعظهن. قال الدماميني: هذا أصل في حضور النساء المواعيد ومجالس الخير بشرط السلامة من الفتنة اهـ.

وفي الفجر الساطع على هذه الترجمة أي مطلوبية ذلك ونبه على أنه كما يطلب من الرجل أن يعلم أهله يطلب من الإمام أو نائبه أن يعلم النساء اهـ.

ثم بوّب البخاري أيضا بعد ترجمتين بقوله باب هل يجعل للنساء يوما على حدة في


(١) حذفت هنا كلاما مفاده منع تعليم النساء وفيه بيتان من الشعر لا يناسب مضمونهما قيمة هذا الكتاب. مصححه.
(٢) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير ج ٤ ص ٢٠ من حديث أبي موسى وأوله: ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين.

<<  <  ج: ص:  >  >>