للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسجد، وهو التكلم بغير لسان العرب سيما لمن يحسن العربية اهـ انظر المجاجي على مختصر بن أبي جمرة لدى الحديث الثالث.

قلت: فظهر أن نهي عمر وكراهة مالك التكلم برطانة العجم لمن في المسجد لا في غيره، أو حتى في غيره بالنسبة لمن لم تدعه لها ضرورة، أو كان تعليمه اللغة الأجنبية مع ازدرائه للغته وآدابها وعلومها، هذا مع اعترافنا اليوم بأن لغات العجم صارت اليوم مفتاح العلوم الكونية، التي أصبحت ضرورية لمجارات العجم والترقي بين الأمم وصارت أيضا مفتاحا للتعارف الذي أصبح ضروريا للعيش وأمن الإنسان على حقوقه حين الإختلاط، وللشيخ صفي الدين الحلي وهو ممن كان يحفظ عدة لغات:

بقدر لغات المرء يكثر نفعه ... وتلك له عند الملمات أعوان

فبادر إلى حفظ اللغات مسارعا ... فكل لسان في الحقيقة إنسان

نسبهما له صاحب الجوهر المحسوس في ترجمة شارح القاموس.

ومن أغرب ما يذكر في هذا الباب، ما وجدته في طبقات ابن سعد من أن جفنة النصراني أحد المشاركين لغلام المغيرة في قتل سيدنا عمر، كان ظئرا لسعد بن أبي وقاص، وكان يعلم الكتاب بالمدينة انظر ص ٢٥٨ من الجزء الثالث. فربما يقال كان يعلم في الكتاب لغة أجنبية أما العربية مثلا أو القرآن فمن المحال أن يحتاجوا في تعلمها إذ ذاك لنصراني فليتأمل، ومن أحسن ما يذكر في هذا الباب ما رأيته في تفسير الشيخ محمد نووي الجاوي المكي المسمى مراح لبيد في كشف معنى قرآن مجيد على قوله تعالى: عن يوسف اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ [يوسف: ٥٥] قال عليم بوجوه التصرف في الأموال، وبجميع ألسن الغرباء الذين يأتوني اهـ منه ص ٤٠٣.

وقد ترجم البخاري في الصحيح «١» باب من تكلم بالفارسية والرطانة قال: في الفجر الساطع أي الكلام الغير العربي، فهو من عطف الأعم أي جواز ذلك عند الحاجة إليه كما دلت عليه الآيتان، وأشار إلى ضعف ما ورد من الأحاديث في كراهة الكلام بالفارسية، ووجه إدخال هذه الترجمة في الجهاد أن ذلك يحتاج إليه المسلمون مع رسل العجم وأمرائهم اهـ.

ومن أغرب ما يتعين ذكره في هذا الباب ما قرأته في مرآة الزمان لسبط ابن الجوزي حين تكلم على موالي عبد الله بن الزبير قال: قال هشام كان له مائة غلام كل غلام يتكلم بلغة، وكان ابن الزبير يكلم كل أحد بلغته اهـ وفي ص ٨٣ من تاريخ الخلفاء للحافظ السيوطي عزو ما ذكر لابن عساكر عن عمر بن قيس انظره فهذا أعجب ما سمعت في معرفة اللغات وتعدادها عن الصحابة وتابعيهم.


(١) انظر كتاب الجهاد باب ١٨٨ ج ٤/ ٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>