للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لخطب بها، لأنا نقول بعد تسليم ذلك: أن بعض الصحابة كزيد قد كان يعلم اللسان العجمي، والرومي، والحبشي، وغيرها من الألسنة فلم لم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بأن يخطبهم ويعظهم بألسنتهم.

وبالجملة فالاحتياج إلى الخطبة بغير العربية لتفهيم أصحاب العجمية كان موجودا في القرون الثلاثة، ومع ذلك فلم يرد أحد من أحد في تلك الأزمنة «١» اهـ منه ص ٣٣ طبعة سنة ١٣٠٣ الهندية.

وفي غاية المقصود على سنن أبي داود: لا بد للخطيب أن يقرأ القرآن ويعظ به في خطبته، فإن كان السامعون عجما يترجم بلسانهم، فإن أثر التذكير والوعظ في غير بلاد العرب لا يحصل ولا يفيد إلا بالترجمة بلسانهم، وقد قال تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [إبراهيم: ٤] قال في جامع البيان: أي يبين لهم ما أمروا به فيفهموه بلا كلفة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى الأحمر والأسود، لكن الأولى أن يكون بلغة من هو منهم حتى يفهموه ثم ينقلوه ويترجموه اهـ.

فلا بد للخطيب أن يفهم معاني القرآن بعد قراءته، ويذكر السامعين بلسانهم، وإلا فيفوت مقصود الخطبة، هكذا قاله شيخنا نذير حسين المحدث الدهلوي اهـ مختصرا.

قلت: سيأتي أن الدولة الموحدية كان خطباؤها في جامع القرويين بفاس وغيرها، يخطبون باللسان البربري والله أعلم.

فوائد: الأولى: في طبقات الحنفية، للحافظ قاسم بن قطلوبغا، لدى ترجمة جعفر بن محمد بن المعز بن المستغفر النسفي المستغفري، المولود سنة خمسين وأربعمائة، أن من مصنفاته كتاب: خطب النبي صلى الله عليه وسلم انظر ص ١٠.

الثانية: خطبه عليه السلام كانت عارية عن السجع وهي الأصل الأصيل، واقتفى آثارها الخلفاء الراشدون، وأكثر السلف وإنما التزمت الإسجاع في هذه الأزمان التي كثر تكلفاتها، وضلت من الخير والرشاد صفاتها، قاله أبو عبد الله بن الطيب الشرقي في حواشيه على القاموس.

الفائدة الثالثة: حضر عليه السلام خطبة قس بن ساعدة الايادي «٢» ، قبل النبوة وقال: كأني أنظر إليه في سوق عكاظ على جمل أحمر الحديث. قال الجاحظ في كتاب البيان والتبيين: إن له ولقومه بذلك فضيلة ليست لأحد من العرب، لأن رسول


(١) كذا في الأصل، ولعل في الكلام نقصا أو خطأ مطبعيا وإصلاحه: لم يرو أحد عن أحد في تلك الأزمنة أنه خطب بغير العربية. والله أعلم.
(٢) راجع حول قس بن ساعدة ما كتبه السيد محمود الآلوسي في كتابه: بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب ج ٢/ ٢٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>