للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تركب بأهلك وولدك فاركب فقد أذنت لك، فركب معاوية ومعه امرأته بنت قرظة [بن عبد عمرو بن نوفل بن عبد مناف] ، وفيها أيضا قال مالك: أمّر عثمان بن عفان عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان: «عمرا على البر، ومعاوية على البحر وإذا اجتمعا فمعاوية الأمير، فلما بلغا رأس مغزا هما أرسل معاوية إلى عمرو أن يأتيه فأبى، فأرسل يعزم عليه فقال عمرو: أنا أعزم على نفسي أن لا آتيك. فقال معاوية: أدن مني على شاطىء البحر فأتى عمرو على قوس فكلمه ما شاء الله، فقال له معاوية: أفشات أنت فقال: قافلون.

قال ابن رشد في البيان والتحصيل: وقع هذا في موطأ ابن وهب، وإنما لم يأت عمرو ومعاوية إذ عزم عليه في الإتيان إليه، من أجل أنه من حيث لم يجعل له عليه عثمان أمرا، ولعله قد كانت له في الإتيان إليه مشقة، ولما سأله أن يدنو منه أجابه لذلك لخفة الأمر اهـ وفي الخطط للمقريزي، لم يكن البحر يركب للغزو في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلافة أبي بكر وعمر، وأول من ركب البحر للغزو العلاء بن الحضرمي، وكان على البحرين من قبل أبي بكر وعمر، فأحب أن يؤثر في الأعاجم أثرا يعز الله به الإسلام على يديه، فندب أهل البحرين إلى فارس فبادروا إلى ذلك، وفرقهم أجنادا على أحدهم الجارود بن المعلّى، وعلى الثاني سوار بن همّام، وعلى الثالث خليد بن المنذر بن ساوى، وجعل على عامة الناس خليدا فحملهم في البحر إلى فارس، بغير إذن عمر بن الخطاب، وكان عمر لا يأذن لأحد في ركوب البحر غازيا كراهية للتغرير بجنده، فلما فتح الله الشام ألحّ معاوية بن أبي سفيان، وهو يومئذ على جند دمشق والأردن- على عمر في ركوب البحر، ثم لما كانت خلافة عثمان غزا المسلمون في البحر. وكان أول من غزا فيه معاوية بن أبي سفيان، واستعمل على البحر عبد الله بن قيس الحارثي حليف «١» بني فزارة، فغزا خمسين غزوة من بين شاتية وصائفة في البر والبحر، ولم ينكب فيه.

وغزا عبد الله بن سعد بن أبي سرح في البحر، لما أتاه قسطنطين بن هرقل عام ٣٤، في ألف مركب يريد الإسكندرية، فسار عبد الله في مائتي مركب أو يزيدون شيئا، وحاربه فكانت وقعة ذات الصواري فهزم قسطنطين وقتل جنده.

وأغزى معاوية عقبة بن عامر الجهني في البحر، وأمره أن يتوجه إلى رودس فأتى إليها.

وقد ذكر شيخنا ولي الدين ابن خالدون تعليل امتناع المسلمين من ركوب البحر للغزو في أول الأمر: أن العرب لم يكونوا أول الأمر مهرة في ثقافته وركوبه، فلما استقر الملك للعرب وشمخ سلطانهم، وصارت أمم العجم خولا لهم، وتحت أيديهم وتقرّب كل ذي صنعة إليهم، تاقت أنفسهم إلى الجهاد فيه، وانشأوا السفن وشحنوا الأساطيل بالرجال والسلاح، وأمدوها بالعساكر والمقاتلة لمن وراء البحر من أمم الكفر، واختصوا لذلك من


(١) ذكره في الإصابة ج ٩٣٣. وذكره أيضا الطبري ج ٣/ ٣١٧ من الطبعة ١٩٣٠٩ مطبعة الاستقامة والمكتبة التجارية لمصطفى محمد من حوادث سنة ٢٨ هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>