للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتعفف على الناس، وقال تعالى: وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ [الفرقان: ٢٠] اهـ.

وترجم ابن رشد في جامع البيان والتحصيل، في جواز دخول أهل الفضل الأسواق ومقاربتهم في البيع والشراء، ثم ذكر عن مالك أنه سئل عن الرجل له فضل وصلاح يحضر السوق يشتري لنفسه فيقارب في ذلك لفضله ولحاله، قال: لا بأس بذلك وقد كان عمر بن الخطاب يدخل السوق، وسالم بن عبد الله إن كان ليقعد في سوق الليل، ويجلس معه رجال وإن الحرس ليمرون بجلسائه فيقولون: يا أبا عمر أمن جلسائك؟ فقيل له ما بال الحرس؟ قال: يطردون منه السفه والعبث.

قال ابن رشد: وأما جواز دخول الأسواق والمشي فيها، فكفى في الحجية في ذلك قول الله عز وجل: وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ [الفرقان: ٢٠] . ردا لقول المشركين: مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ [الفرقان: ٧] .

وقع في بعض الكتب: أمن جلسائك؟ والمعنى في ذلك إعلامهم إياه أنهم يحفظونهم بمجالستهم إياه فهم آمنون. والمعنى فيما داخل الكتاب الاستفهام في الرجل: هل هو من جلسائه؟ فيحفظونه من أهل السفه كما يحفظونه وجلساءه منه اهـ.

ثم ترجم البخاري أيضا باب السخب في الأسواق، وهو الصياح. نقل الدماميني عليها عن ابن المنير ترجم كثيرا على إباحة السوق ثم ترجم هنا على السخب فيها قال: وكان البخاري صاحب تجارة وزرع. وقال: يروي أنه أعطي ببضاعة له خمسة آلاف فذكر في نفسه ولم يتلفظ، فأعطي فيها بعد ذلك أضعاف الأولى ألوفا مؤلفة قال: لا، قد كنت ركنت إلى الأولى، فحاسب نفسه على الهواجس التي لا تلزم اهـ.

قلت: وبذلك وبغيره مما تقدم ويأتي تعلم ما في قول أبي علي اليوسي في قانونه:

توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ألوف من الصحابة ما كان يحسن الواحد منهم أن يشتري حاجة من السوق بقيراط، وهم فقهاء في دين الله اهـ فإن هذا الاطلاق بصيغة الشمول والاستغراق عجيب من مطلقه، وأغرب ما يذكر عن عالم مثله إلا أن يكون عنى أهل الصفة، الذين كانوا كما سبق انقطعوا للعبادة والتأله والتعلم، وهم لم يصلوا إلى الألوف، على أن اتقطاعهم لا عن جهل بالبيع والشراء، بل ايثارا لما يبقى على ما يفنى. وقد قال ابن الحاج في المدخل: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا في الأسواق يتجرون وفي حوائطهم يعملون، وقد ترجم البخاري أيضا باب: كسب الرجل وعمله بيديه، فذكر فيه عن عائشة لما استخلف أبو بكر الصديق قال: لقد علم قومي أن حرفتي لم تكن تعجز عن مؤونة أهلي، وشغلت بأمر المسلمين فسيأكل آل أبي بكر من هذا المال، وأحترف فيه للمسلمين، قال الحافظ: حديث أبي بكر هذا وإن كان ظاهره الوقف ولكنه بما اقتضاه من أنه قبل أن

<<  <  ج: ص:  >  >>