للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المذكورة عن الإصابة، وأخرج البخاري «١» في البيوع قال: بينما نحن نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، إذ أقبلت من الشام عير تحمل طعاما فالتفتوا إليها حتى ما بقي مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا اثنا عشر رجلا فنزلت: وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها [الجمعة: ١٠] .

وانظر أيضا ترجمة جلب دقيق الحواري والسمن والعسل من الشام إلى المدينة فيما سيأتي وذلك يدل على أن المدينة صارت سوق العرب، تقصد بالبضائع من الأطراف البعيدة، وانظر ترجمة نبهان الأنصاري من الإصابة. وفي تاريخ الخلفاء للسيوطي أن عمر أول من حمل الطعام من مصر في بحر أيلة (البحر الأحمر) إلى المدينة.

قلت: وذلك في الخليج الذي فتح بعد فتح مصر وكان يمتد من الفسطاط إلى السويس والذي تولى حفره عمرو بن العاص في خلافة سيدنا عمر فعرف بخليج أمير المؤمنين، وصار الصلة العظمى بين مصر والبحر الأحمر والهند وسبب حفره على ما في الخطط للمقريزي أن الناس في المدينة قحطوا، فأعانهم عمرو بن العاص بعير أوّلها كان بالمدينة وآخرها بمصر فأمر معمر بفتح هذا الخليج، ليتيسر النقل في البحر بدل الظهر فلم يأت الحول حتى سارت فيه السفن، فصار يحمل فيه ما يراد للحرمين الشريفين ثم غلب عليه الرمل فانقطع آخر الدولة الأموية، انظر الخطط المقريزية والخطط التوفيقية ففيهما كلام مشبع عن هذا الخليج ونقل الثاني ص ١٢٠ من ج ١٩ عن الكندي في كتاب الجند العربي؛ أن عمرو بن العاص حفره في سنة ٢٣ وفرغ منه في ستة أشهر، وجرت فيه السفن ووصلت إلى الحجاز في الشهر السابع، ثم نقل عن ابن الطوير أن مسافته خمسة أيام وكانت المراكب النيلية تفرغ وتحمل منه من ديار مصر بالقلزم، فإذا فرغت حملت من القلزم ما وصل من الحجاز وغيره إلى مصر. وكان مسلك التجار وغيرهم.

وذكر أيضا أنه بقي مفتوحا إلى زمن أبي جعفر المنصور ولما ظهر محمد النفس الزكية بالحجاز أمر عامله على مصر بردم خليج مصر، لقطع الميرة عن البلاد الحجازية، فردم وصار نسيا منسيا وبقي كذلك ألف سنة، إلى أن حفرت الترعة أخيرا «٢» وذكر أيضا أن عمر ربما توقف في فتح هذا الخليج قائلا: إن هذا الاتصال ربما أوجب اغارة الروم وهجومهم على الحجاز ولذا قال علي مبارك في ص ١٢٤ من ج ١٩ أن فتح ترعة البرزخ في زمانه آخر القرن المنصرم فتح على مصر أبوابا لم يكن من قدرتها إقفالها اهـ وقال غيره من الكتاب المعاصرين: إن فتح خليج السويس كان من أشد الآفات على ممالك الشرق اهـ فرضي الله عن عمر ما أصدق حدسه.


(١) كتاب البيوع ج ٣/ ٦.
(٢) في أيام الخديو إسماعيل ١٨٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>