للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يكون خاليا عن نحو مصلحة شرعية، حتى يخرج ذلك اللعب عن دائرة اللهو والباطل.

وفي هذا إشارة إلى أصل عظيم من أصول تمدن الأمة، وهو أن تجعل الألعاب مشحونة بتربيات تمكن القلوب من حب الدين والوطن، وترتوي بمكارم الأخلاق حتى يكون الإنسان في مباشرة تلك الألعاب ومشاهدتها يتنزل عليه المثل المشهور «يسرّ حسوا في ارتغاء» «١» وهذا الذي لمح له البخاري هنا، يؤخذ من قوله عليه السلام: كل لهو ابن آدم باطل، إلا في ثلاث: تأديب الفرس، والرمي بالقوس، وملاعبة الزوجة. ولله در الصديقة حيث جمعت بين حديث الجاريتين وحديث الحبشة، فإن غناء بعاث يحرك الحماسة القلبية، ولعب الحبشة يعلم سرعة الحركات البدنية. والأمران هما ملاك التقدم في الحرب.

فإن قيل: التدريب الحربي هو تعليم العلوم، والتعليم جدّ لا لعب، فكيف سماه البخاري لعبا؟ فالجواب كما أشار إليه ابن حجر: أنه شبّه اللعب من حيث الصورة، فإنك ترى أحد المتناضلين يظهر أنه يقصد طعن صاحبه ولا يفعل ويتهدده ولو كان أباه أو ابنه اهـ.

ذكر من غنّى في وليمة النكاح

«في الصحيح «٢» عن عائشة أنها زفّت امرأة إلى رجل من الأنصار فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة ما كان معكم لهو فإن الأنصار يعجبهم اللهو» .

قلت: وفي حديث عبد الله بن الزبير عند أحمد وصححه الحاكم وابن حبان: أعلنوا النكاح زاد الترمذي وابن ماجه من حديث عائشة: واضربوا عليه بالدف. قال الحافظ في الفتح: واستدل بقوله: واضربوا على أن ذلك لا يختص بالنساء، لكن إسناده ضعيف، والأحاديث القوية فيها الإذن بذلك للنساء، فلا يلحق بهن الرجال؛ لعموم النهي عن التشبه بهن اهـ وحديث ابن حاطب المذكور قال عبد الحق في الأحكام: وغير الترمذي يقول:

صحيح. وخرج النسائي عن عامر بن سعد قال: دخلت على قرظة بنت كعب وأبي مسعود الأنصاري في عرس وإذا جوار يتغنين فقلت: أنتما صاحبا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أهل بدر يفعل هذا عندكم؟ فقال اجلس إن شئت فاسمع معنا وإن شئت اذهب، قد رخص لنا في اللهو عند العرس.

وترجم في الإصابة لثابت بن يزيد الأنصاري فذكر أن البارودي وأبا نعيم خرّجا من طريق شريك عن ابن إسحاق عن عامر بن سعد قال: دخلت على قرظة بنت كعب وثابت بن يزيد وأبي مسعود وعندهم جوار وأشياء فقلت: تفعلون هذا وأنتم من الصحابة قالوا رخّص لنا في اللهو عند العرس انظر ص ٢١٧.

وانظر ترجمة علي بن هبار الأسدي فيها أيضا. وترجم فيها أيضا لمعبد بن قيس فذكر


(١) ومعناه: يحسو اللبن وهو يظهر أنه يأخذ الرغوة فقط.
(٢) ج ٦/ ١٤٠ كتاب النكاح.

<<  <  ج: ص:  >  >>