للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فراخ العصافير. قال عياض: والراجح أنه طائر أحمر المنقار، وأهل المدينة يسمونه البلبل.

وقد أكثر الناس من استنباط الأحكام من هذا الحديث، وزاد أبو العباس بن القاص من الشافعية على مائة، وأفردها في جزء وقال ابن غازي: حدثني أبو الحسن ابن منون أنه بلغه أنه أي ابن الصباغ أملى في درسه بمكناس على حديث أبي عمير ما فعل النغير أربعمائة فائدة. وكان آخر ما أقرأ بها. قال وكنت تأملت هذا الحديث فانقدح لي زهاء مائتين وخمسين من الفوائد، فقيّدت رسومها ولم أجد فراغا لبسطها: ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها اهـ وانظر ج ٤ من نفح الطيب، وترجمة أبي عبد الله بن الصباغ المكناسي من كفاية المحتاج لأبي العباس السوداني.

وقال ابن غازي أيضا في حواشيه على الصحيح: مرّ بنا أن بعض العلماء استنبط منها زهاء ثلاثمائة فائدة، وسمعت من يذكر عن أبي الفضل ابن الصباغ المكناسي بلديّنا أكثر من ذلك، وكنت أعملت فيه الفكر فرسمت في مبيضة فوائد ما يزيد على المائتين، إلا أنها لا يخلو بعضها من تداخل والله أعلم اهـ.

وفي حواشي ابن الشاط على مسلم لدى حديث الترجمة عن عياض فيه جواز لعب الصغير بالطيّر، ومعنى هذا اللعب عند العلماء إمساكه وتلهيته بمسكه لا بتعذيبه وعبثه.

وقال الشيخ أبو علي بن رحال في باب الغصب، بعد أن ذكر أنه أخذ من المدونة جواز حبس الطير في القفص ما نصه: وما ذكر من حبس الطير إنما هو إذا لم يكن فيه تعذيب أو تجويع أو تعطيش، ولو بمظنة الغافلة عنه، أو بحبسه مع طير آخر ينقب رأسه، كما تفعله الديوك في الأقفاص، ينقب بعضها رأس بعض، حتى إن الديك يقتل آخر وهذا كله حرام بإجماع؛ لأن تعذيب الحيوان لغير فائدة لا يختلف في تحريمه. والفائدة يتأتى وجودها بلا تعذيب، وهذا إن كان يحبسه وحده أو مع لا ينقبه، أو يعمل بينهما حائلا، بحيث لا يصل بعضه إلى بعض، ويتفقده بالأكل والشرب، كما يتفقد أولاده ويضع للطير ما يركب عليه كخشبة. وأما أن يضعه على الأرض بلا شيء فذلك يضر به غاية في البرد. وهذه الأمور لا تحتاج إلى جلب نص فيها لوضوحها، وكم رأينا من يعذب الدجاج في الأقفاص على وجوه مختلفة من أنواع العذاب، وكذا حبس الكبش بلا أكل ولا شرب أو بغل، يربطه في موضع ويغلق عليه حتى يكاد يموت جوعا. ومن لا رحمة فيه لا يعتبر في الدفع عن الدواب إلا ما يقتلها أو يضعف بدنها. وأما عذابها في نفسها إذا سلمت مما ذكر فلا يبالي به. وذلك كله حرام وعقوبة في الدنيا والآخرة إن لم يعف الله، فإن هذه الحيوانات غير الإنسان لا تتكلم، فلا تنادي أنها في الحاجة في كذا إن لم تكن رحمة من مالكها. ومن مازج الناس وأمعن النظر بقلبه وتفكر ورأى من عذابه الحيوانات من هذه الجهة من لا يسامح فيه، إلا من له مائة رحمة ثم قال: فالحاصل أن هذا باب من العقاب ترك كثير الهروب منه، فينبغي لمن فيه رحمة أن ينبه على هذا كل من لا يعرفه، ثم قال: وكثير من الناس يسمع مثلا أن الطير

<<  <  ج: ص:  >  >>