للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والموجود منها غير كاف لأنّ أكثر ما كان جمع وصنف أحرق أثناء الغارات، وقد ضاع من ذلك في وقعة التتر ما لم يذكر التاريخ أفظع منه، ألقي في نهر الدجلة حتى وقف عن الجريان، وأسودّ ماؤه بكثرة مداد ألقي فيه من الكتب الإسلامية، بل قد وجدت الشكاية بإندثار أكثر كتب السلف قبل وقعة التتر، وذلك من الحافظ ابن الجوزي في كتاب صيد الخاطر قال:

كانت همم القدماء عالية، تدل عليها تصانيفهم، التي هي زبدة أعمارهم، إلا أنّ أكثر التصانيف إندثرت، لأنّ همم الطلاب ضعفت، فصاروا يطلبون المختصرات، ولا ينشطون للمطوّلات. ثم اقتصروا على ما يدرسون به من بعضها، فاندثرت الكتب، ولم تنسخ.

ويذكر التاريخ العربي عن مدينة قرطبة بالأندلس، أنها كانت أكثر بلاد الله كتبا، وأن مسيحي إسبانيا لما استولوا على قرطبة أحرقوا كل ما طالت إليه أيديهم، من مصنفات المسلمين، وعددها مليون وخمسون ألف مجلد، وجعلوها زينة وشعلة في يوم واحد، ثم رجعوا على تسعين مكتبة في الأندلس، وصاروا يتلفون كلّ ما عثروا عليه في كل إقليم، من مؤلفات العرب ذكر ذلك (موندي) في تاريخه اهـ.

وقال أحد مؤرخيهم (ويلس) : إن ما أحرقه الإسبان من كتب الأندلس، ألف ألف وخمسة آلاف مجلد، وقال في وفيات الأسلاف إن أسقف طليطلة أحرق من الكتب الإسلامية العالية ما ينيف على ثمانين ألاف كتاب، وأنّ الإفرنج لما تغلبوا على غرناطة أحرقوا من الكتب النفيسة، ما تتجاوز ألف ألف، وأنهم قبضوا على ثلاث سفن قاصدة مراكش، تقلّ ما عزّ على المسلمين أن يخلّفوه وراءهم، فألقوها في قصر الإسكوريال، ثم لعبت بها النيران، وبقيت منها بقية رتّب فهرستها أحد مسيحي سورية، وجعلوها إلى اليوم مكتبة ينتابها علماء الأرض. وكان بقي منها على عهد من رتبها ١٨٥١ سفرا.

ورأيت بعض برنامجها أسماء الكتب العربي فيما قرب بقلم محمد محمود الشنقيطي، الشهير لما توجه إليها أيام السلطان عبد الحميد، فإذا هو تافه جدا بالنسبة للمظنون، أما بالنسبة لما كان بالمكاتب الأندلسية فلا نسبة. فقد ذكر صاحب الوافي في المسألة الشرقية أنه كان بمكتبة قرطبة وحدها على عهد الإسلام ستمائة ألف مجلد، من الكتب المختارة اهـ منه ص ١٧٢.

قال المرجاني بعد ذكر بعض ما ذكر في وفيات الأسلاف: وبالجملة فلم يبق من آثار علماء الإسلام إلا النادر الأقل [من] القليل اهـ منه ص ٣٢٥.

وقال بعض المؤرخين المصريين: إن الباقي من الكتب التي ألفها المسلمون ليس إلا نقطة من بحر، مما أحرقه الصليبيون، والتتر، والأسبان، اهـ.

ولذلك قلت قديما: إن آثار الأسلاف أتى عليها ناهبان قويان، جيش الإنسان وجيش الحيوان، وقد جاء في تاريخ الوافي في المسألة الشرقية ص ١٧١ أن من مكتبة فاس

<<  <  ج: ص:  >  >>