للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وسُمِّيت خُمْرَة لِأَنَّ خُيوطها مَسْتُورة بِسَعَفِها، وَقَدْ تَكَرَّرَتْ فِي الْحَدِيثِ. هَكَذَا فُسِّرت. وَقَدْ جَاءَ فِي سُنن أَبِي دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَتْ فأرةٌ فَأَخَذَتْ تَجُرّ الفَتِيلة، فَجَاءَتْ بِهَا فألقَتْها بَيْنَ يَدَي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الخُمْرَة الَّتِي كَانَ قاعِداً عَلَيْهَا، فأحْرقتْ مِنْهَا مِثْلَ مَوْضِعِ دِرهَمٍ. وَهَذَا صَرِيحٌ فِي إِطْلَاقِ الخُمْرَة عَلَى الْكَبِيرِ مِنْ نَوْعها.

(س) وَفِيهِ «أَنَّهُ كَانَ يَمْسَح عَلَى الخُفّ والخِمَار» أَرَادَ بِهِ الْعِمَامَةَ، لِأَنَّ الرَّجُلَ يُغَطّي بهِا رأسَه، كَمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ تغطِّيه بِخِمَارِهَا، وَذَلِكَ إِذَا كَانَ قَدِ اعْتمَّ عِمَّه الْعَرَبِ فأدارَها تَحْتَ الحَنَكِ فَلَا يَسْتَطِيعُ نَزْعَها فِي كُلِّ وَقْتٍ فَتَصِيرُ كالخفَّين، غَيْرَ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى مَسح الْقَلِيلِ مِنَ الرَّأْسِ، ثُمَّ يَمْسح عَلَى الْعِمَامَةِ بَدَلَ الاسْتيعاب.

(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عمْرو «قَالَ لِمُعَاوِيَةَ: مَا أشْبه عَيْنَك بِخِمْرَة هِند» الخِمْرَةُ هَيْئة الِاخْتِمَارِ.

وَفِي المَثل «إنَّ العَوانَ لَا تُعَلَّم الخِمْرَةَ» أَيِ الْمَرْأَةُ المُجَرِّبة لَا تُعَلَّم كَيْفَ تَفْعَل.

(هـ) وَفِي حَدِيثِ مُعَاذٍ «مَنِ اسْتَخْمَرَ قَوْمًا أوّلُهم أَحْرَارٌ وَجِيرَانٌ مُسْتَضْعَفُونَ فَإِنَّ لَهُ مَا قَصَرَ فِي بيتِه» اسْتَخْمَرَ قَوْمًا أَيِ اسْتَعْبَدَهم بلُغة الْيَمَنِ. يَقُولُ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ أَخْمِرْنِي كَذَا: أَيْ أعْطنيه ومَلِّكْني إِيَّاهُ: الْمَعْنَى مَن أخَذ قَوْمًا قهْراً وتملُّكا، فإنَّ مَن قَصَره: أَيِ احْتَبَسه واحْتَازَه فِي بَيْتِه واسْتَجْراه فِي خدْمتِه إِلَى أنْ جَاءَ الْإِسْلَامُ فَهُوَ عبْد لَهُ. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الْمُخَامَرَةُ: أَنْ يَبيع الرجُلُ غُلَامًا حُرَّا عَلَى أَنَّهُ عبْد، وَقَوْلُ مُعاذ مِنْ هَذَا، أَرَادَ مَن اسْتَعْبَد قَوْمًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، ثُمَّ جَاءَ الْإِسْلَامُ فَلَهُ مَا حَازَه فِي بَيْتِه لَا يُخْرج مِنْ يَدِهِ. وَقَوْلُهُ وَجِيرَانٌ مُسْتَضْعَفون، أَرَادَ رُبَّمَا اسْتَجَارَ بِهِ قَوْمٌ أَوْ جَاوَرُوهُ فاسْتَضْعَفَهم واسْتَعْبَدَهم، فَكَذَلِكَ لَا يُخْرَجون مِنْ يَدِهِ، وَهَذَا مَبْنيٌّ عَلَى إقْرَار النَّاس عَلَى مَا فِي أَيْدِيهِمْ.

(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «مَلِّكْه عَلَى عُرْبهم وخُمُورهم» أَيْ أَهْلِ الْقُرَى، لِأَنَّهُمْ مَغْلُوبُونَ مَغْمُورون بِمَا عليْهم مِنَ الخرَاج والكُلف والأثْقال، كَذَا شرَحه أَبُو مُوسَى.

وَفِي حَدِيثِ سَمُرة «أَنَّهُ بَاعَ خَمْراً، فَقَالَ عُمَرُ: قَاتَلَ اللَّهُ سَمُرة» الْحَدِيثَ. قَالَ الخطَّابي: إِنما بَاعَ عَصِيراً ممَّن يَتَّخِذه خَمْراً، فَسمَّاه باسم ما يَؤُول إِلَيْهِ مَجَازًا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى «إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً»

<<  <  ج: ص:  >  >>