للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رحلته إلى الشام المرّة الثانية

ولما بلغت سنه عليه الصلاة والسلام خمسا وعشرين سنة سافر إلى الشام المرّة الثانية، وذلك أن خديجة بنت خويلد الأسدية كانت سيدة تاجرة ذات شرف ومال، تستأجر الرجال في مالها وتضاربهم «١» إياه، فلما سمعت عن السيد من الأمانة وصدق الحديث ما لم تعرفه في غيره حتى سماه قومه الأمين، استأجرته ليخرج في مالها إلى الشام تاجرا، وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره، فسافر مع غلامها ميسرة فباعا وابتاعا وربحا ربحا عظيما، وظهر للسيد الكريم في هذه السفرة من البركات ما حبّبه في قلب ميسرة غلام خديجة «٢» .

[زواجه خديجة]

فلمّا قدما مكّة ورأت خديجة ربحها العظيم سرّت من الأمين عليه الصلاة والسلام، وأرسلت إليه تخطبه لنفسها، وكانت سنها نحو الأربعين وهي من أوسط «٣» قريش حسبا وأوسعهم مالا. فقام الأمين عليه الصلاة والسلام مع أعمامه حتى دخل على عمّها عمرو بن أسد فخطبها منه بواسطة عمه أبي طالب فزوجها عمها. وقد خطب أبو طالب في هذا اليوم فقال: الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم، وزرع إسماعيل، وضئضيء «٤» معدّ وعنصر مضر وجعلنا حضنة بيته وسوّاس حرمه وجعله لنا بيتا محجوجا، وحرما امنا، وجعلنا حكّام الناس. ثم إن ابن أخي هذا محمد بن عبد الله لا يوزن به رجل شرفا ونبلا وفضلا، وإن كان في المال قلّ، فإنّ المال ظل زائل، وأمر حائل، وعارية مستردّة، وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم، وخطر جليل، وقد خطب إليكم رغبة في كريمتكم خديجة، وقد بذل لها من الصّداق (كذا) «٥» وعلى ذلك تمّ الأمر. وقد كانت متزوجة قبله بأبي هالة


(١) المضاربة: شركة تكون بين طرفين، من أحدهما المال، ومن الاخر العمل بالتجارة.
(٢) كانت خديجة امرأة حازمة لبيبة شريفة مع ما أراد الله بها من كرامة، فلما أخبرها به غلامها ميسرة بعثت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت له: يا ابن عم إني قد رغبت فيك لقرابتك، وشرفك في قومك وأمانتك وحسن خلقك، وكانت خديجة يومئذ أوسط نساء قريش نسبا وأعظمهن شرفا وأكثرهن مالا، كل قومها كان حريصا على ذلك منها لو يقدر عليه.
(٣) الوسط من أوصاف المدح والتفضيل فكان الوسط من أجل هذا مدحا في النسب.
(٤) أصل. «المؤلف» .
(٥) أصدقها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اثنتي عشرة أوقية ونصفا من الذهب والأوقية أربعون درهما شرعيّا.

<<  <   >  >>