للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإنهم قالوا: ربنا بلّغ قومنا أنّا قد لقينا ربنا فرضينا عنه ورضي عنّا» ، وكان وصول خبر هذه السرية وسرية الرّجيع في يوم واحد، فحزن عليهم صلّى الله عليه وسلّم حزنا شديدا، وأقام يدعو على الغادرين بهم شهرا في الصلاة.

غزوة بني النضير «١»

يا لله ما أسوأ عاقبة الطيش، فقد تكون الأمة مرتاحة البال هادئة الخواطر، حتى تقوم جماعة من رؤسائها بعمل غدر، يظنون من ورائه النجاح، فيجلب عليهم الشرور ويشتتهم من ديارهم، وهذا ما حصل ليهود بني النضير حلفاء الخزرج الذين كانوا يجاورون المدينة، فقد كان بينهم وبين المسلمين عهود يأمن بها كلّ منهم الاخر، ولكن بنو النضير لم يوفّوا بهذه العهود حسدا منهم وبغيا.

فبينما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبعض أصحابه «٢» في ديار بني النضير إذ إئتمر جماعة منهم على قتله بأن يأخذ أحد منهم «٣» صخرة ويلقيها عليه من علو، فأطلع عليه الصلاة والسلام على قصدهم فرجع وتبعه أصحابه، ثم أرسل لهم محمّد بن مسلمة يقول لهم: اخرجوا من بلادي فقد هممتم بما هممتم من الغدر «إذ الحزم كل الحزم ألا يتهاون الإنسان مع من عرف منه بالغدر» فتهيأ القوم للرحيل فأرسل لهم اخوانهم المنافقون يقولون: لا تخرجوا من دياركم ونحن معكم لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ «٤» ولكن اليهود طمعوا بهذا الوعد، وتأخّروا عن الجلاء، فأمر عليه الصلاة والسلام بالتهيؤ لقتالهم، فلمّا اجتمع الناس خرج بهم واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم، وأعطى رايته عليّا، أما بنو النضير فتحصّنوا في حصونهم، وظنّوا أنهم مانعتهم من الله فحاصرهم عليه الصلاة والسلام ستّ ليال، ثم أمر بقطع نخيلهم ليكون أدعى إلى تسليمهم،


(١) هي التي أنزل الله تعالى فيها سورة الحشر وحكى البخاري عن الزهري عن عروة أنه قال: كانت بنو النضير بعد بدر بستة أشهر قبل أحد.
(٢) فيهم أبو بكر وعمر وعلي.
(٣) عمر بن جحاش بن كعب.
(٤) سورة الحشر اية ١١- ١٢.

<<  <   >  >>