للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقذف الله في قلوبهم الرعب، ولم يروا من عبد الله بن أبي مساعدة، بل خذلهم كما خذل بني قينقاع من قبلهم، فسألوا رسول الله أن يجليهم، ويكف عن دمائهم، وأنّ لهم ما حملت الإبل من أموالهم، إلّا الة الحرب ففعل، وصار اليهود يخرّبون بيوتهم بأيديهم كيلا يسكنها المسلمون.

ولمّا سار اليهود نزل بعضهم بخيبر، ومنهم أكابرهم حييّ بن أخطب وسلّام بن أبي الحقيق، ومنهم من سار إلى أذرعات بالشام، وأسلم منهم اثنان يامين ابن عمرو «١» وأبو سعد بن وهب، ولم يخمّس رسول الله ما أخذ من بني النضير، فإنه فيء لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب «٢» ، ومثل هذا يكون لمعدات الحرب، وللرسول يطعم منه أهله، ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، كما قال تعالى في سورة الحشر ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ «٣» فأعطى عليه الصلاة والسلام من هذا الفيء فقراء المهاجرين «٤» الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم وردّوا لأخوانهم من الأنصار ما كانوا قد أخذوه منهم أيام هجرتهم، وأخذ عليه الصلاة والسلام أرضا يزرعها ويدخر منها قوت أهله عاما.

غزوة ذات الرقاع «٥»

وفي ربيع الاخر بلغه عليه الصلاة والسلام أن قبائل من نجد يتهيؤون لحربه،


(١) كان من كبار الصحابة، أسلم فأحرز ماله، ولم يحرز ماله من بني النضير غيره، وغير أبي سعد بن عمرو ابن وهب، وكان كريما يبذل ماله في سبيل الدفاع عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فقد أعطى مالا لرجل، على أن يقتل ابن عمه عمر بن جحاش الذي هم بقتل النبي صلّى الله عليه وسلّم.
(٢) الفيء كل ما أخذ من الكفار من غير قتال، والإيجاف: هو الإسراع، أي لم يعدوا في تحصيله خيلا ولا إبلا بل حصل بلا قتال، والركاب: هي الإبل التي يسافر عليها.
(٣) اية ٧ والحشر كما يقول الراغب: «اخراج الجماعة عن نفرهم وازعاجهم عنه إلى الحرب ونحوها، وأصح من هذه الأقوال كلها ما رواه الشيخان من طريقة أبي موسى الأشعري. قال: خرجنا مع النبي صلّى الله عليه وسلّم في غزاة ونحن ستة نفر بيننا بعير. نعتقبه ونقبت أقدامنا، ونقبت قدماي، وسقطت أظفاري، وكنا نلف على أرجلنا الخرق فسميت غزوة ذات الرقاع، كما كنا نعصب من الحزم على أرجلنا
(٤) الاسهل بن حنيف وأبا دجانة سماك بن خرشة ذكرا فقرا فأعطاهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
(٥) قال الحافظ في الفتح وقد اختلفت في ميقاتها على أقوال بل الذي ينبغي الجزم به بعد غزوة بني قريظه، لأنه تقدم أن صلاة الخوف في غزوة الخندق لم تكن شرعت وقد ثبت وقوع صلاة الخوف في غزوة ذات الرقاع على تأخرها بعد الخندق.

<<  <   >  >>