للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأخبرهم بمثل ما أخبر به قريشا فأرسل أبو سفيان وفدا «١» لقريظة يدعوهم للقتال غدا فأجابوا: إنّا لا يمكننا أن نقاتل في السبت وكان إرساله لهم ليلة السبت- ولم يصبنا ما أصابنا إلّا من التعدّي فيه، ومع ذلك فلا نقاتل حتى تعطونا رهائن منكم حتى لا تتركونا، وتذهبوا إلى بلادكم «٢» ، فتحققت قريش وغطفان كلام نعيم بن مسعود، وتفرّقت القلوب فخاف بعضهم بعضا. وكان عليه الصلاة والسلام قد ابتهل إلى الله الذي لا ملجأ إلّا إليه ودعاه بقوله: «اللهم منزل الكتاب سريع الحساب، اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وانصرنا عليهم» «٣» وقد أجاب الله دعاءه عليه الصلاة والسلام فأرسل على الأعداء ريحا باردة في ليلة مظلمة، فخاف العرب أن تتفق اليهود مع المسلمين ويهجموا عليهم في الليلة المدلهمّة «٤» فأجمعوا أمرهم على الرحيل قبل أن يصبح الصباح. ولمّا سمع عليه الصلاة والسلام الضوضاء في جيش العدو، قال لأصحابه: لا بدّ من حادث. فمن منكم ينظر لنا القوم؟ فسكتوا حتى كرّر ذلك ثلاثا. وكان فيهم حذيفة بن اليمان، فقال عليه الصلاة والسلام:

تسمع صوتي منذ الليلة ولا تجيب! فقال: يا رسول الله البرد شديد، فقال: اذهب في حاجة رسول الله واكشف لنا خبر القوم فخاطر رضى الله عنه بنفسه في خدمة نبيّه حتى اطّلع على جليّة الخبر، وأن الأعداء عازمون على الرحلة «٥» .

[هزيمة الأحزاب]

وقد بلغ من خوفهم أن كان رئيسهم أبو سفيان يقول لهم: ليتعرّف كلّ منكم أخاه، وليمسك بيده حذرا من أن يدخل بينكم عدو، وقد حلّ عقال بعيره يريد أن يبدأ بالرحيل، فقال له صفوان بن أمية: إنك رئيس القوم فلا تتركهم وتمضي، فنزل أبو سفيان وأذن بالرحيل، وترك خالد بن الوليد في جماعة ليحموا ظهور المرتحلين حتى لا يدهموا من ورائهم، وأزاح الله عن المسلمين هذه الغمّة التي تحزّب فيها الأحزاب من عرب ويهود على المسلمين، ولولا لطف الله وعنايته


(١) عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان.
(٢) رواه ابن اسحاق في المعنى.
(٣) ثبت في الصحيحين.
(٤) أدلهم الظلام إذا اشتد.
(٥) رواه مسلم في صحيحه عن يزيد عن أبيه وقد رواه الحاكم والحافظ البيهقي في الدلائل.

<<  <   >  >>