للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المسلمون خمسا وعشرين ليلة، فلمّا رأوا ألامناص من الحرب، وأنهم إن استمرّوا على ذلك ماتوا جوعا وطلبوا من المسلمين أن ينزلوا على ما نزل عليه بنو النضير من الجلاء بالأموال وترك السلاح، فلم يقبل الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فطلبوا أن يجلوا بأنفسهم من غير سلاح فلم يرض أيضا، بل قال: لا بدّ من النزول والرضا بما يحكم عليهم خيرا كان أو شرّا، فقالوا له: أرسل لنا أبا لبابة نستشيره، وكان أوسيا من حلفاء بني قريظة، له بينهم أولاد وأموال، فلمّا توجّه إليهم استشاروه في النزول على حكم الرسول. فقال لهم: انزلوا وأومأ بيده إلى حلقه يريد أن الحكم الذبح، ويقول أبو لبابة «١» : لم أبارح موقفي حتى علمت أني خنت الله ورسوله، فنزل من عندهم قاصدا المدينة خجلا من مقابلة رسول الله، ولما سأل عنه عليه الصلاة والسلام أخبر بما فعل، فقال: أما أنه لو جاءني لاستغفرت له، أما وقد فعل ما فعل فنتركه حتى يقضي الله فيه «٢» . ثم إن بني قريظة لمّا لم يروا بدّا من النزول على حكم رسول الله فعلوا، فأمر برجالهم فكتّفوا، فجاءه رجال من الأوس وسألوه أن يعاملهم كما عامل بني قينقاع حلفاء إخوانهم الخزرج، فقال لهم: ألا يرضيكم أن يحكم فيهم رجل منكم؟ فقالوا: نعم. واختاروا سيدهم سعد بن معاذ الذي كان جريحا من السهم الذي أصيب به في الخندق، وكان مقيما بخيمة في المسجد معدة لمعاملة الجرحى، فأرسل عليه الصلاة والسلام من يأتي به، فحملوه على حماره، والتفّ عليه جماعة من الأوس يقولون له: أحسن في مواليك ألا ترى ما فعل ابن أبيّ في مواليه؟ فقال رضي الله عنه: لقد ان لسعد ألّا تأخذه في الله لومة لائم. ولما أقبل على الرسول وأصحابه وهم جلوس، قال عليه الصلاة والسلام: قوموا إلى سيّدكم فأنزلوه، ففعلوا وقالوا له: إن رسول الله قد ولّاك أمر مواليك لتحكم فيهم. وقال له الرسول: احكم فيهم يا سعد فالتفت سعد للناحية التي ليس فيها رسول الله وقال: عليكم عهد الله وميثاقه أن الحكم كما حكمت؟ فقالوا: نعم، فالتفت إلى الجهة التي فيها الرسول وقال: وعلى من هنا كذلك؟ وهو غاضّ طرفه إجلالا فقالوا: نعم، فقال: فإني أحكم أن تقتلوا الرجال، وتسبوا النساء والذرية، فقال عليه الصلاة والسلام: «لقد حكمت فيهم


(١) هو بشير بن عبد المنذر بن المدني أحد النقباء، عاش إلى خلافة علي.
(٢) رواه موسى بن عقبة في مغازيه عن الزهري وهكذا رواه ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة كما ذكره محمد بن اسحاق في مغازيه في مثل سياق موسى بن عقبة عن الزهري وقد ذكره المؤلف باختصار.

<<  <   >  >>