للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً «١» . لم يروا بدّا من القبول، فلمّا دخل عليها زيد أرته من كبريائها وعظمتها ما لم يتحمّله، فاشتكاها لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأمره باحتمالها والصبر عليها إلى أن ضاقت نفسه، فأخبره بالعزم على طلاقها وقرر ذلك، ولما كانت العشرة بين مثل هذين الزوجين ضربا من العبث، أمر الله نبيّه صلّى الله عليه وسلّم أن يتزوج زينب بعد طلاقها حسما لهذا الشقاق من جهة، وحفظا لشرفها أن يضيع بعد زواجها بمولى من جهة أخرى، ولكن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خشي من لوم اليهود والعرب له في زواجه بزوج ابنه «٢» فقال لزيد: أمسك عليك زوجك واتق الله، وأخفى في نفسه ما أبداه الله فبتّ الله حكمه بإبطال هذه القاعدة وهي تحريم زوج المتبنى بقوله في سورة الأحزاب فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا «٣» ثم إن الله حرم التبني على المسلمين لما فيه من الإضرار، وأنزل فيه في سورة الأحزاب ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً «٤» ومن هذا الحين صار اسم زيد «زيد بن حارثة» بدل «زيد بن محمد» . وأبدل بذلك أن ذكر اسمه في قران يتلى على مرّ الدهور والأعوام «٥»

يقول المؤرخون وذوو المقاصد السافلة منهم في هذه القصة أقوالا لا تجوز إلّا ممّن ضاع رشده، ولم يفقه حقيقة ما يقول، فإنهم يذكرون أن الرسول توجّه يوما لزيارة زيد فرأى زوجه مصادفة لأن الريح رفعت الستر عنها، فوقعت في قلبه، فقال: سبحان الله، فلما جاء زوجها ذكرت له ذلك، فرأى من الواجب عليه فراقها، فتوجّه وأخبر الرسول بعزمه، فنهاه عن ذلك إلخ. وهذا مما يكذبه أن نساء


(١) اية ٣٦.
(٢) روى أن أبي حاتم والطبري عن علي بن الحسين بن علي قال: (أعلم الله نبيّه أن زينب ستكون من أزواجه قبل أن يتزوجها فلما أتاه زيد يشكوها وقال له: «اتق الله وأمسك عليك زوجك» قال الله قد أخبرتك أني مزوجكها وتخفي في نفسك ما الله مبديه) وهذا ما ذهب إليه المحققون من المفسرين وغيرهم في تفسير الخشية كالزهري والقاضي بكر بن العلاء القشيري، والقاضي أبي بكر بن العربي والقاضي عياض في الشفاء. والحافظ المؤرخ ابن كثير في التفسير والبداية والنهاية.
(٣) اية ٣٧.
(٤) اية ٤٠.
(٥) رواه البخاري.

<<  <   >  >>