للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في طريق وعرة، ثم خرج بهم إلى مستو سهل يملك مكّة من أسفلها. فلمّا رأى خالد ما فعل المسلمون رجع إلى قريش وأخبرهم الخبر. ولما كان عليه الصلاة والسلام بثنيّة المرار «١» بركت ناقته. فزجرها فلم تقم، فقالوا: خلأت «٢» القصواء، فقال عليه الصلاة والسلام: ما خلأت وما ذلك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل، والذي نفس محمّد بيده لا تدعوني قريش إلى خطة فيها تعظيم حرمات الله إلّا أجبتهم إليها «٣» . مع أن المسلمين لو قاتلوا أعداءهم في مثل هذا الوقت لظفروا بهم. ولكن كف الله أيدي المسلمين عن قريش. وكف أيدي قريش عن المسلمين كيلا تنتهك حرمات البيت الذي أراد الله أن يكون حرما امنا يوطّد المسلمون من جميع الأقطار دعائم أخواتهم فيه، ثم أمرهم عليه الصلاة والسلام بالنزول أقصى الحديبية «٤» وهناك جاء بديل بن ورقاء الخزاعي رسولا من قريش يسأل عن سبب مجيء المسلمين، فأخبره عليه الصلاة والسلام بمقصده، فلمّا رجع بديل إلى قريش وأخبرهم بذلك، لم يثقوا به لأنه من خزاعة الموالية لرسول الله كما كانت كذلك لأجداده، وقالوا: أيريد محمّد أن يدخل علينا في جنوده معتمرا تسمع العرب أنه قد دخل علينا عنوة، وبيننا وبينهم من الحرب ما بيننا؟ والله لا كان هذا أبدا ومنّاعين تطرف «٥» ! ثم أرسلوا حليس بن علقمة سيد الأحابيش- وهم حلفاء قريش، - فلمّا راه عليه الصلاة والسلام قال: هذا من قوم يعظمون الهدي ابعثوه في وجهه حتى يراه، ففعلوا واستقبله الناس يلبّون، فلمّا رأى ذلك حليس رجع وقال: سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يصدّوا، أتحجّ لخم وجذام وحمير، ويمنع عن البيت ابن عبد المطلب؟ هلكت قريش ورب البيت إن القوم أتوا معتمرين!! فلمّا سمعت قريش منه ذلك قالوا له: اجلس إنما أنت أعرابي لا علم لك بالمكايد، ثم أرسلوا عروة بن مسعود الثقفي «٦» سيد أهل الطائف فتوجّه إلى رسول


(١) مهبط الحديبية (المؤلف) (من أسفل مكة) وهو بين الجحفة ومكة.
(٢) خلأت: حرنت وبركت من غير علة.
(٣) رواه الإمام أحمد باختصار والبخاري وأبو داود.
(٤) بئر قرب مكة سميت الأرض باسمها. (المؤلف) .
(٥) ثم بعثوا إليه مكرز بن حفص بن الأخيف أخا بني عامر بن لؤي، فلما راه صلّى الله عليه وسلّم مقبلا قال: هذا رجل غادر، فلما انتهى إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكلمه قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نحو مما قال لبديل وأصحابه فرجع إلى قريش فأخبرهم بما قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
(٦) وكان أحد الأكابر من قومه، وثبت ذكره في الحديث الصحيح في قصة الحديبية، وكانت له اليد

<<  <   >  >>