للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وصلوا مؤتة «١» مقتل الحارث بن عمير، وهناك وجدوا الروم قد جمعوا لهم جمعا عظيما «٢» منهم ومن العرب المتنصرة. فتفاوض رجال الجيش فيما يفعلونه:

أيرسلون لرسول الله يطلبون منه مددا أم يقدمون على الحرب؟؟ فقال عبد الله بن رواحة: يا قوم والله إن الذي تكرهون هو ما خرجتم له، خرجتم تطلبون الشهادة، ونحن ما نقاتل بعدد ولا بقوة ولا بكثرة ما نقاتل إلّا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فإنما هي إحدى الحسنيين إما الظهور وإما الشهادة، فقال الناس: صدق والله ابن رواحة. ومضوا للقتال، فلقوا هذه الجموع المتكاثرة، فقاتل زيد بن حارثة رضي الله عنه حتى استشهد، فأخذ الراية جعفر بن أبي طالب وهو يقول:

يا حبّذا الجنّة واقترابها ... طيّبة وباردا شرابها

والروم روم قد دنا عذابها ... كافرة بعيدة أنسابها

عليّ إذ لاقيتها ضرابها

ولم يزل يقاتل حتى استشهد رضي الله عنه «٣» ، فأخذ الراية عبد الله بن رواحة فتقدم ثم تردد بعض التردّد، فقال يخاطب نفسه:

أقسمت يا نفس لتنزلنّه ... طائعة أو لتكرهنّه

إن أجلب الناس وشدّوا الرّنّة ... مالي أراك تكرهين الجنّة

قد طالما قد كنت مطمئنّة ... هل أنت إلّا نطفة في شنّه؟ «٤»

ثم اقتحم بفرسه المعمعة، ولم يزل يقاتل رضي الله عنه حتى استشهد، فهم بعض المسلمين بالرجوع إلى الوراء، فقال لهم عقبة بن عامر «٥» : يا قوم يقتل


(١) قرية قريبة من الكرك وهي مشارف الشام. (المؤلف) . وهي على مرحلتين من بيت المقدس جنوب شرقي البحر الميت وتسمى أيضا غزوة جيش الأمراء وقد سمى البخاري هذه السرية غزوة إن لم يخرج فيها النبي صلّى الله عليه وسلّم لكثرة جيش المسلمين فيها.
(٢) مائة ألف من الروم وانضم إليهم من لخم وجذام والقين وبهراء وبليّ مائة ألف منهم وعليهم رجل من بليّ يقال له مالك بن زافلة.
(٣) الأصح أن جعفر مات وقد استوفى أربعين سنة وزاد عليها، وجزم ابن عبد البر أن سنه كان إحدى وأربعين سنة. وفي رواية للبخاري أنهم وجدوا بجسمه بضعا وتسعين من طعنة برمح ورمية بسهم، وكان ابن عمر رضي الله عنهما: إذا سلم على ابن جعفر يقول: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين، رواه البخاري لأنه أخذ بيده راية الإسلام فقطعت يداه فعوضه الله منهما جناحان يطير بهما في الجنة.
(٤) إن أجلب الناس: صاموا واجتمعوا والرنة صوت ترجيع شبه البكاء. النطفة: الماء القليل الصافي. الشنه: السقاء البالي.
(٥) شهد بدرا بعد شهود العقبة الأولى، ثم شهد أحدا، وشهد الخندق، وسائر المشاهد، وقتل يوم اليمامة شهيدا.

<<  <   >  >>