للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فكان إذا خرج لحاجته أبعد حتى لا يرى ببناء ويفضي إلى الشعاب وبطون الأودية فلا يمرّ بحجر ولا شجر إلا سمع: الصلاة والسلام عليك يا رسول الله «١» ، وكان يلتفت عن يمينه وشماله وخلفه فلا يرى أحدا وقد حدث بذلك عن نفسه. وليس في ذلك كبير اشكال فقد سخر الله الجمادات للأنبياء قبله، فعصا موسى التقمت ما صنع سحرة فرعون بعد أن تحوّلت حية تسعى ثم رجعت كما كانت، ولما ضرب بها الحجر نبع منه الماء اثنتي عشرة عينا، لكل سبط «٢» من أسباط بني اسرائيل عين. وكذلك غيره من الأنبياء سخر الله لهم ما شاء من أنواع الجمادات لتدل العقلاء على عظيم قدرهم وخطارة شأنهم.

[تبشير التوراة به]

أنزل الله التوراة على موسى محتوية على الشرائع التي تناسب أهل ذاك الزمن، ونوّه فيها بذكر كثير من الأنبياء الذين علم الله أنّه سيرسلهم، فممّا جاء فيها تبشيرا برسولنا الكريم صلّى الله عليه وسلّم خطابا لسيّدنا موسى عليه السلام «٣» (وسوف أقيم لهم نبيّا مثلك من بين إخوتهم وأجعل كلامي في فمه ويكلّمهم بكل شيء امره به، ومن لم يطع كلامه الذي يتكلم به باسمي فأنا الذي أنتقم منه، فأما النبي الذي يجترئ عليّ بالكبرياء ويتكلّم باسمي بما لم امره به أو باسم الهة أخرى فليقتل، وإذا أحببت أن تميز بين النبي الصادق والكاذب فهذه علامتك أن ما قاله ذلك النبي باسم الربّ ولم يحدث فهو كاذب يريد تعظيم نفسه ولذلك لا تخشاه) .

ويقول اليهود: أن هذه البشارة ليوشع بن نون خليفة موسى عليه السلام، مع أنّهم كانوا ينتظرون في مدّة المسيح نبيّا اخر غير المسيح، فإنهم «٤» أرسلوا ليوحنا المعمدان (يحيى) يسألونه عن نفسه فقالوا له: أنت إيليا؟ «٥» فقال: لا فقالوا أنت المسيح؟ فقال: لا فقالوا: أنت النبي؟ فقال: لا فقالوا: ما بالك إذا تعمّد إذا


(١) الأحاديث التي وردت في تكلم الأحجار مع الرسول الكريم كثيرة منها ما رواه مسلم أن رسول صلّى الله عليه وسلّم قال: اني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم عليّ قبل أن أبعث إني لأعرفه الان.
(٢) القبيلة من اليهود.
(٣) الاصحاح الثامن: سفر التثنية. «المؤلف» .
(٤) الاصحاح الأول من انجيل يوحنا، اية ٤٦. المؤلف.
(٥) قال ابن كثير في البداية والنهاية ذكر ابن قتيبة في المعارف عن وهب ابن منبه أن اسم الخضر بليا. ويقال ايليا بن بلكان ج ١ ص ٣٢٦.

<<  <   >  >>