للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في ثلاثمائة رجل من سراة «١» المهاجرين، ثم أمده بأبي عبيدة بن الجراح في مائتي من المهاجرين فيهم أبو بكر وعمر، فلحقوا عمرا قبل أن يصل إلى القوم، وقد أراد رجال من الجيش إيقاد نار فمنعهم عمرو، فأنكر عليه عمر بن الخطاب، فقال أبو بكر: إنما بعثه رسول الله علينا رئيسا لمعرفته بالحرب أكثر منا فلا تعصه، فامتثل، ولما حلوا بساحة القوم حملوا عليهم فلم يكن أكثر من ساعة حتى تفرّق الأعداء منهزمين، فجمعوا غنائمهم وأرادوا اتباع أثرهم فمنعهم قائدهم، ثم رجعوا إلى المدينة ظافرين، وبينما هم في الطريق أدركت عمرو بن العاص جنابة في ليلة باردة فلمّا أصبح قال: إن أنا اغتسلت هلكت والله يقول وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ «٢» ثم تيمم وصلّى، ثم أمر بالسير حتى إذا وصلوا إلى المدينة قام رسول الله عليه الصلاة والسلام يسأل عن أنباء سفرهم كما هي عادته، فأخبروه بما نقموه من عمرو بن العاص من نهيهم عن إيقاد النار ونهيهم عن اتّباع العدو وصلاته جنبا، فسأله عليه الصلاة والسلام عن ذلك فقال: منعتهم من إيقاد النار لئلا يرى العدو قلتهم فيطمع فيهم، ونهيتهم عن اتّباع العدو لئلا يكون له كمين، وصليت جنبا لأن الله يقول: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وإن أنا اغتسلت هلكت، فتبسم عليه الصلاة والسلام وأثنى على عمرو خيرا.

سرية «٣»

وفي رجب أرسل عليه الصلاة والسلام أبا عبيدة عامر بن الجرّاح في ثلاثمائة فارس لغزو قبيلة جهينه التي تسكن ساحل البحر «٤» ، وزوّد عليه الصلاة والسلام هذا الجيش جرابا من التمر، فساروا حتى إذا وصلوا الساحل أقاموا فيه نحو نصف شهر ينتظرون العدو، وقد فني زادهم حتى أكلوا الخبط- وهو ورق السّمر يبلونه بالماء ويأكلونه إلى أن تقرّحت أشداقهم «٥» ، وكان في القوم الكريم ابن


(١) جمع سرى وهو النفيس الشريف، ضبطها ابن الأثير في النهاية، والجمع سراة بالفتح على غير قياس، وقد تضم السين، وضبطها صاحب القاموس بفتح السين سميت باسم ماء بأرض جذام يقال له السلسل.
(٢) سورة البقرة اية ١٩٥.
(٣) هي سرية الخبط وسماها البخاري غزوة سيف البحر.
(٤) كما في البخاري ومسلم.
(٥) جمع ومفرده الشدق وهو جانب الفم.

<<  <   >  >>