للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حتى أدركه قبل أن يصل المدينة، فأسلم وسأله أن يرجع إلى قومه ويدعوهم إلى الإسلام، فقال له: إنهم قاتلوك، فقال: يا رسول الله أنا أحب إليهم من أبكارهم، فخرج إلى قومه يرجو منهم طاعته لمرتبته فيهم، لأنه كان فيهم محببا مطاعا، فلمّا جاء الطائف وأظهر لهم ما جاء به رموه بالنبل فقتلوه، وبعد شهر من مقتله ائتمروا فيما بينهم ورأوا أنه لا طاقة لهم بحرب من حولهم من العرب، فأجمعوا أمرهم على أن يرسلوا لرسول الله رجلا منهم يكلّمه، وطلبوا من عبد ياليل بن عمرو أن يكون ذلك الرجل فأبى، وقال: لست فاعلا حتى ترسلوا معي رجالا، فبعثوا معه خمسة من أشرافهم «١» فخرجوا متوجهين إلى المدينة، ولما قابلوا رسول الله ضرب لهم قبة في ناحية المسجد ليسمعوا القران ويروا الناس إذا صلّوا. وكانوا يغدون إلى رسول الله كل يوم ويخلّفون في رحالهم أصغرهم سنّا عثمان بن أبي العاص «٢» فكان إذا رجعوا ذهب للنّبيّ واستقرأه القران، وإذا راه نائما استقرأ أبا بكر حتى حفظ شيئا من القران، وهو يكتم ذلك عن أصحابه، ثم أسلم القوم، وطلبوا أن يعيّن لهم من يؤمّهم، فأمّر عليهم عثمان بن أبي العاص لما راه من حرصه على الإسلام وقراءة القران وتعلّم الدين.

[كتاب أهل الطائف]

ثم كتب لهم كتابا من جملته: «بسم الله الرّحمن الرّحيم من محمّد النبي رسول الله إلى المؤمنين إن عضاه وجّ «٣» وصيده حرام، لا يعضد شجره ومن وجد يفعل شيئا من ذلك فإنه يجلد وتنزع ثيابه» ثم سألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يؤجّل هدم صنمهم شهرا حتى يدخل الإسلام في قلوب القوم ولا يرتاع السفهاء من النساء من هدمه، فرضى عليه الصلاة والسلام، ولمّا خرجوا من عنده قال لهم رئيسهم: أنا أعلمكم بثقيف اكتموا عنهم إسلامكم خوّفوهم الحرب والقتال، وأخبروهم أن محمّدا طلب أمورا عظيمة أبيناها عليه، سألنا أن نهدم الطاغية، وأن نترك الزنا،


(١) عبد ياليل الحكم بن عمرو وشرحبيل بن غيلان وعثمان بن أبي العاص وأوس بن عوف وغير بن قرشه ابن ربيعة.
(٢) ذكره البلاذري في الأنساب وقال: قتل أبوه يوم بدر كافرا، وأقره أبو بكر وعمر ثم استعمله عمر على عمان والبحرين، ثم سكن البصرة حتى مات فيها في خلافة معاوية سنة ٥٥ هـ.
(٣) عضاه كل شجر له شوك، ووجّ: بلد الطائف، قال السهيلي: حرم عضاهه وشجره على غير أهله كتحريم المدينة ومكة.

<<  <   >  >>