للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الله الأكاذيب في نوادي النساء. ثم نزل عليه في سورة الشعراء وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ «١» وهم بنو هاشم وبنو المطلب وبنو نوفل وبنو عبد شمس أولاد عبد مناف وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنْ عَصَوْكَ أي العشيرة والأقربون فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ فجمعهم عليه الصلاة والسلام وقال لهم: إن الرائد لا يكذب أهله والله لو كذبت الناس جميعا ما كذبتكم، ولو غررت الناس جميعا ما غررتكم، والله الذي لا إله إلّا هو إني لرسول الله إليكم خاصة وإلى الناس كافة، والله لتموتنّ كما تنامون، ولتبعثنّ كما تستيقظون، ولتحاسبنّ بما تعملون، ولتجزون بالإحسان احسانا وبالسوء سوا، وأنها لجنة أبدا أو لنار أبدا «٢» . فتكلّم القوم كلاما ليّنا غير عمه أبي لهب الذي كان خصما لدودا فإنه قال: خذوا على يديه قبل أن تجتمع عليه العرب، فإن سلمتوه إذا اذللتم، وأن منعتموه قتلتم، فقال أبو طالب: والله لنمنعنّه ما بقينا، ثم انصرف الجمع.

ولمّا جهر رسول الله عليه الصلاة والسلام بالدعوة سخرت منه قريش واستهزؤوا به في مجالسهم، فكان إذا مرّ عليهم يقولون: هذا ابن أبي كبشة يكلّم من السماء! وهذا غلام عبد المطلب يكلم من السماء لا يزيدون على ذلك، فلمّا عاب الهتهم وسفّه عقولهم وقال لهم: والله يا قوم لقد خالفتم دين أبيكم إبراهيم، ثارت في رؤوسهم حمية الجاهلية غيرة على تلك الالهة التي كان يعبدها اباؤهم فذهبوا «٣» إلى عمه أبي طالب سيد بني هاشم الذي أخذ على نفسه حمايته من أيدي أعدائه فطلبوا منه أن يخلي بينهم وبينه أو يكفّه عما يقول، فردّهم ردّا جميلا فانصرفوا عنه، ومضى رسول الله لما يريده لا يصدّه عن مراده شيء، فتزايد الأمر، وأضمرت قريش الحقد والعداوة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وحثّ بعضهم بعضا على ذلك.

ثم مشوا إلى أبي طالب مرة أخرى وقالوا له: إن لك سنّا وشرفا ومنزلة منّا، وإنا قد طلبنا منك أن تنهي ابن أخيك فلم تنهه عنا، وإنّا والله لا نصبر على هذا


(١) اية ٢١٤- ٢١٥- ٢١٦.
(٢) رواه الشيخان.
(٣) وهم عتبة وشيبة وأبو سفيان والعاص بن هشام والأسود بن عبد المطلب وأبو جهل والوليد بن المغيرة ونبيه ومنبّه والعاص بن وائل السهمي.

<<  <   >  >>