للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقول: أحد أحد، لم يشغله ما هو فيه عن توحيد الله. وكان أمية يخرج به في وقت الظهيرة في الرمضاء- وهي الرمل الشديد الحرارة لو وضعت عليه قطعة لحم لنضجت- ثم يؤمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره. ثم يقول له: لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمّد وتعبد اللات والعزى، فيقول: أحد أحد.

مرّ به أبو بكر يوما فقال: يا أمية أما تتقي الله في هذا المسكين حتى متى تعذبه؟

قال: أنت أفسدته فأنقذه مما ترى. فاشتراه منه وأعتقه فأنزل الله فيه وفي أمية في سورة الليل. فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى أمية بن خلف الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الصدّيق الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى وَلَسَوْفَ يَرْضى «١» بما يعطيه الله في الاخرى جزاء أعماله. وقد نبه الله جلّ ذكره على أن بذل الصديق ماله في شراء بلال وعتقه لم يكن الا ابتغاء وجه ربه، وكفى بهذا شرفا وفضلا للصديق رضي الله عنه وأرضاه «٢» ، وقد أعتق غير بلال جماعة من الأرقاء أسلموا فعابهم مواليهم.

ومنهم حمامة أم بلال وعامر بن فهيرة «٣» كان يعذب حتى لا يدري ما يقول، وأبو فكيهة «٤» كان عبدا لصفوان بن أمية بن خلف.

ومنهم امرأة تسمى زنيّرة «٥» عذبت في الله حتى عميت فلم يزدها ذلك إلّا إيمانا، وكان أبو جهل يقول: ألا تعجبون لهؤلاء وأتباعهم لو كان ما أتى به محمّد خيرا ما سبقونا إليه أفتسبقنا زنيرة إلى رشد فأنزل الله في سورة الأحقاف


(١) من ١٤ إلى ٢١.
(٢) أجمع المفسّرون على أن هذه الاية نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه لا علي بن أبي طالب لأمرين الأول (وما لأحد عنده من نعمة تجزى) هذا الوصف لا يصدق على علي بن أبي طالب لأنه كان في تربية النبي صلّى الله عليه وسلّم. وكان يطعمه ويسقيه ويربيه، وكان الرسول منعما عليه نعمة يجب جزاؤها، أما أبو بكر فلم يكن للنبي عليه الصلاة والسلام عليه نعمة دنيوية بل كان أبو بكر ينفق على الرسول عليه الصلاة والسلام، والثاني المراد بالأتقى هو أفضل الخلق وأفضلهم بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو أبو بكر لا على.
(٣) مولى الطفيل بن عبد الله، وكان من المستضعفين يعذب في الله فلم يرجع عن دينه وهاجر مع الرسول وأبي بكر إلى المدينة يخدمهما. وشهد عامر بدرا وأحدا وقتل يوم بئر معونة سنة أربع من الهجرة وهو ابن أربعين سنة.
(٤) مولى صفوان بن أمية أسلم قديما فربط أمية بن خلف في رجله حبلا فجرّه حتى ألقاه في الرمضاء وجعل يخنقه، فجاء أخوه أبي بن خلف فقال اده فلم يزل على ذلك حتى ظن أنه مات، فمر أبو بكر الصديق فاشتراه وأعتقه واسمه يسار.
(٥) كانت من السابقات إلى الإسلام وممن يعذّب في الله، وكان أبو جهل يعذّبها، وهي مذكورة في السبعة الذين اشتراهم أبو بكر الصديق وأنقذهم من التعذيب.

<<  <   >  >>