للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حيث لا نؤذى، فقال: صحبكم الله، فلما جاء زوجي عامر أخبرته بما رأيت من رقة عمر، فقال ترجين أن يسلم والله لا يسلم حتى يسلم حمار الخطاب! وذلك لما كان يراه من قسوته وشدّته على المسلمين، ولكن حصلت له بركة دعوة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم فإنه قال قبيل إسلامه: «اللهم أعز الإسلام بعمر «١» وكان إسلامه في دار الأرقم بن أبي الأرقم التي كان المسلمون يجتمعون فيها وقد حقّق الله بإسلامه ما رجاه عليه الصلاة والسلام، فقد قال عبد الله بن مسعود من رواية البخاري (ما زلنا أعزّة منذ أسلم عمر) فإنه طلب من رسول الله أن يعلن صلاته في المسجد ففعل، وقد أدرك الكفار كابة شديدة حينما رأوا عمر أسلم، وكانوا قد أرادوا قتله حتى اجتمع جمع حول داره ينتظرونه، فجاء العاص بن وائل السّهمي (وهو من بني سهم حلفاء بني عدي قوم عمر) وعليه حلّة حبرة «٢» وقميص مكفوف بحرير، فقال لعمر: ما بالك؟ فقال: زعم قومك أنهم سيقتلونني ان أسلمت. قال: لا سبيل إليك فأنا لك جار، فأمن عمر. وخرج العاص فوجد الناس قد سال بهم الوادي، فقال: أين تريدون؟ قالوا: نريد هذا ابن الخطاب الذي صبأ. قال: لا سبيل إليه. فرجع الناس من حيث أتوا «٣» .

[رجوع مهاجري الحبشة]

وبعد ثلاثة أشهر من خروج مهاجري الحبشة رجعوا إلى مكة حيث لا تتيسر لهم الإقامة فيها لأنهم قليلوا العدد- وفي الكثرة بعض الأنس- وأضف إلى ذلك أنهم أشراف قريش ومعهم نساؤهم، وهؤلاء لا يطيب لهم عيش في دار غربة بهذه الحالة.


(١) ولفظه (اللهم أعز الإسلام) بأحب الرجلين، بأبي جهل أو بعمر، فكان أحبهما إليه عمرا رواه الترمذي وقال حسن صحيح وصححه ابن حبان وفي اسناده خارجة بن عبد الله صدوق فيه مقال، وكان له شاهد من حديث ابن عباس أخرجه الترمذي أيضا، ومن حديث أنس وروى أحمد نحوه، ورواه الحاكم بلفظ، أيد بدل: أعز، فأخرجه الحاكم، وصححه من نافع عن ابن عمر عن ابن عباس رفعه (اللهم أيد الإسلام بعمر بن الخطاب خاصة) ، وأخرجه ابن ماجة وابن حبان وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين وأقرّه الذهبي من حديث عائشة والرواية الجارية على الألسنة، بأحب العمرين لا أصل لها في شيء من طرق الحديث.
(٢) أي بردة مخططه بالوشي، وهو النقش.
(٣) رواه البخاري.

<<  <   >  >>