للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عليهم، فأمر عليه الصلاة والسلام جميع المسلمين بالهجرة إلى المدينة، فصاروا يتسلّلون خيفة قريش أن تمنعهم. وأول من خرج أبو سلمة المخزومي زوج أم سلمة «١» ومعه زوجه، وكان قومها منعوها منه، ولكنهم أطلقوها بعد فلحقت به «٢» ، وتتابع المهاجرون فرارا «٣» بدينهم ليتمكّنوا من عبادة الله الذي امتزج حبّه بلحمهم ودمهم، حتى صاروا لا يعبؤون بمفارقة أوطانهم والابتعاد عن ابائهم وأبنائهم ما دام في ذلك رضى الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم. ولم يبق منهم إلّا أبو بكر وعلي وصهيب وزيد بن حارثة، وقليلون من المستضعفين الذين لم تمكّنهم حالهم من الهجرة، وقد أراد أبو بكر الهجرة فقال له عليه الصلاة والسلام: على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي، فقال أبو بكر: وهل ترجو ذلك بأبي أنت؟ قال: نعم فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله ليصحبه، وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السّمر «٤» استعدادا لذلك.

[دار الندوة]

أما قريش فكانوا كأنهم أصيبوا بمسّ الشيطان حينما طرق مسامعهم مبايعة الأنصار له على الذّود عنه حتى الموت، فاجتمع رؤساؤهم «٥» وقادتهم في دار الندوة (وهي دار قصيّ بن كلاب التي كانت قريش لا تقضي أمرا إلّا فيها) يتشاورون ما يصنعون في أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين خافوه، فقال قائل منهم: نخرجه من أرضنا كي نستريح منه، فرفض هذا الرأي لأنهم قالوا: إذا خرج اجتمعت حوله الجموع لما يرونه من حلاوة منطقه وعذوبة لفظه. وقال اخر: نوثقه ونحبسه حتى يدركه ما أدرك الشعراء قبله من الموت. فرفض هذا الرأي كسابقه لأنهم قالوا: إن الخبر لا يلبث أن يبلغ أنصاره، ونحن أدرى الناس بمن دخل دينه حيث يفضّلونه على الاباء


(١) أخو المصطفى من الرضاعة وهو أول من يعطى كتابه بيمينه.
(٢) راجع سيرة ابن هشام فلها قصة طويلة.
(٣) وهم باختصار عامر بن ربيعة من امرأته ليلى ثم عبد الله بن جحش وأخوه أبو أحمد الضرير فقد نزلوا على مبشر عبد المنذر بقباء ثم قدم المهاجرون أرسالا
(٤) الشجر
(٥) وهم عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو سفيان بن حرب، ومن بني نوفل، طعيمة بن عدي، وجبير ابن مطعم. والحارث بن عامر. ومن بني عبد الدار النضر بن الحارث، ومن بني أسد: أو البختري بن هشام، وزمعة بن الأسود، وحكيم بن حزام. ومن بني مخزوم: أبو جهل بن هشام، ومن بني سهم: نبيه ومنبه ابنا الحجاج. ومن بني جمح: أمية بن خلف.

<<  <   >  >>