للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[معاهدة اليهود]

هذا وقد علمت أنه كان يضاد المسلمين في المدينة فئتان: اليهود، والمنافقون، ولكنّ الرسول قبل من هؤلاء ظواهرهم، وعقد مع أولئك عهدا مقتضاه ترك الحرب والأذى، فلا يحاربهم ولا يؤذيهم، ولا يعينون عليه أحدا، وإن دهمه بالمدينة عدو ينصرونه، وأقرّهم على دينهم.

مشروعية القتال «١»

قد علم ممّا تقدّم أنّ رسول الله عليه الصلاة السلام لم يقاتل أحدا على الدخول في الدّين، بل كان الأمر قاصرا على التبشير والإنذار، وكان الله سبحانه ينزل عليه من الاي ما يقوّيه على الصبر أمام ما كان يلاقيه من أذى قريش، ومن ذلك قوله في سورة الأحقاف فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ «٢» وكان كثيرا ما يقصّ الله عليه أنباء إخوانه من المرسلين قبله ليثبت به فؤاده، ولما ازداد طغيان أهل مكة ألجؤوه إلى الخروج من داره بعد أن ائتمروا على قتله، فكانوا هم البادئين بالعداء على المسلمين حيث أخرجوهم من ديارهم بغير حقّ، فبعد الهجرة أذن الله للمهاجرين بقتال مشركي قريش بقوله في سورة الحجّ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ «٣» ثم أمرهم بذلك في سورة البقرة وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ


(١) أذن لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم في القتال لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر صفر في السنة الثانية من الهجرة، وكان الصحابة رضي الله عنهم منهم عبد الرحمن بن عوف والمقداد بن الأسود وسعد بن أبي وقاص يقولون: يا رسول الله كنا في عز ونحن مشركون فلما امنا صرنا أذلة فأذن لنا في قتال هؤلاء، فقال: كفوا أيديكم عنهم فإني لم أومر بقتالهم. ولما هاجر المسلمون إلى المدينة أذن الرسول لهم بالقتال، وأول ما أنزل في أمر القتال «أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ... » الاية المذكورة في مشروعية القتال، وهذا أول ما أنزل في الأذن بالقتال بعد ما نهى عنه في نيف وسبعين اية.
(٢) اية ٣٥.
(٣) اية ٣٩- ٤٠.

<<  <   >  >>