للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نادي قومه إذ خرجت أخته فضلا، فنظر إليها أهل المجلس، فشق ذلك على مالك، ودخل فعنّفها وأنبها، فقالت: ما يصنع بي غدا أعظم من ذلك، أهدى إلى غير زوجي، فلما أمسى مالك اشتمل على السيف ودخل على الفطيون متنكرا مع النساء، فلما خف من عنده عدا عليه فقتله وانصرف إلى دار قومه، ثم بعث هو وجماعة من قومه إلى من وقع بالشام من قومهم يخبرونهم بحالهم ويشكون إليهم غلبة اليهود، وكان رسولهم الرمق بن زيد بن امرئ القيس أحد بني سالم بن عوف بن الخزرج، وكان قبيحا دميما شاعرا بليغا، فمضى حتى قدم على أبي جبيلة أحد بني جشم بن الخزرج الذين ساروا من يثرب إلى الشام، وقال بعضهم: كان أبو جبيلة من ولد جفنة بن عمرو بن عامر قد أصاب ملكا بالشام وشرفا.

قلت: قد تقدم أن أبناء جفنة من غسان، وكانوا بالشام ملوكا.

ولما ذكر ابن حزم بني جشم بن الخزرج قال: فولد جشم غضب، فولد غضب مالك، فولد مالك عبد حارثة، فولد عبد حارثة حبيب، فولد حبيب عبد الله، فولد عبد الله أبا جبيلة الملك الغساني الذي جلبه مالك بن العجلان لقتل اليهود، انتهى.

وفيه نظر؛ إذ ليس من بطون الخزرج غساني كما يؤخذ مما قدمناه عن ابن حزم أيضا، والمشهور ما قدمناه، قالوا: فشكا إليه حالهم وغلبة اليهود عليهم، وما يتخوفون منهم، وأنهم يخشون أن يخرجوهم، وأنشده من شعره. فتعجب من شعره وبلاغته وقبحه ودمامته، وقال: عسل طيب في وعاء خبيث. فقال الرمق: أيها الملك، إنما يحتاج من الرجل إلى أصغريه لسانه وقلبه. فقال: صدقت؛ وأقبل أبو جبيلة في جمع كثير لنصرة الأوس والخزرج. كذا قاله ابن زبالة.

وقد نقل رزين عن الشرقي ما يقتضي أن مالك بن العجلان هو الذي توجّه بنفسه، وأن ما ذكر من سيرة الفطيون في افتضاض الأبكار إنما كانت في غير الأوس والخزرج، وأنه أراد أن يسير فيهم بذلك، فقتله مالك بن العجلان، فإنه قال: إن الفطيون كان قد شرط ألاتدخل امرأة على زوجها حتى تدخل عليه، فلما سكن الأوس والخزرج المدينة أراد أن يسير فيهم بتلك السيرة؛ فتزوجت أخت مالك بن العجلان رجلا من بني سليم، فأرسل الفطيون رسولا في ذلك وكان مالك أخوها غائبا، فخرجت تطلبه، فمرت بقوم أخوها فيهم، فنادته، فقال أخوها: لقد جئت بسبّة يا هنتاه، تناديني ولا تستحيي؟ فقالت:

الذي يراد بي أكبر، فأخبرته، فقال لها: أكفيك ذلك، فقالت: وكيف؟ فقال: أتزيا بزي النساء وأدخل معك عليه بالسيف فأقتله، ففعل، ثم خرج حتى قدم الشام فنزل على أبي

<<  <  ج: ص:  >  >>