للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حنيفة، قال: ولم يكن أحد من العرب أقبح ردا عليه منهم، وقال موسى بن عقبة عن الزهري: فكان في تلك السنين- أي التي قبل الهجرة- يعرض نفسه على القبائل، ويكلم كل شريف قوم، لا يسألهم إلا أن يؤووه ويمنعوه، ويقول: لا أكره أحدا منكم على شيء، بل أريد أن تمنعوا من يؤذيني حتى أبلغ رسالة ربي، فلا يقبله أحد.

وذكر الواقدي دعاءه صلّى الله عليه وسلّم بني عبس إلى الإسلام، وأنه أتى غسان في منازلهم بعكاظ وبني محارب كذلك، ولم يزل صلّى الله عليه وسلّم يدعو إلى دين الله، ويأمر به كل من لقيه ورآه من العرب، إلى أن قدم سويد بن الصامت أخو بني عمرو بن عوف من الأوس، وكان يسمى «الكامل» لجلده وشعره، وهو القائل:

فرشني بخير طالما قد بريتي ... فخير الموالي من يريش ولا يبري

فدعاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى الإسلام، فلم يبعد ولم يجب، ثم انصرف إلى يثرب، فلم يلبث أن قتل يوم بعاث.

قال ابن إسحاق: فإن كان رجال من قومه ليقولون: إنا نراه قد قتل وهو مسلم، وقدم مكة أبو الحيسر أنس بن رافع وهو في فتية من قومه بني عبد الأشهل يطالبون الحلف، فدعاهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى الإسلام، فقال رجل منهم اسمه إياس بن معاذ وكان شابا: هذا والله خير مما قدمنا، فضربه أبو الحيسر وانتهره، فسكت، ثم لم يتم لهم الحلف، فانصرفوا إلى بلادهم، ومات إياس بن معاذ فقيل: إنه مات مسلما.

وقال رزين في ذكر هذه القصة: ثم جاءت الأوس تطلب أن تحالف قريشا، فجاءهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعرض نفسه عليهم، وقال: اسمعوا مني، هل لكم في خير مما جئتم له؟

وتلا عليهم القرآن، ثم قال: بايعوني واتبعوني، فإلكم ستجمعون بي، فقال عمرو بن الجموح: هذا أي قوم والله خير لكم مما جئتم له، فانتهروه، وقالوا: ما جئنا لهذا، ولم يقبلوا عليه، ثم انصرفوا، فكانت وقعة بعاث.

وقال ابن زبالة: إنه صلّى الله عليه وسلّم كان يعرض نفسه على القبائل فيأبونه، حتى سمع بنفر من الأوس قدموا في المنافرة التي كانت بينهم، فأتاهم في رحالهم، فقالوا: من أنت؟ فانتسب لهم، وأخبرهم خبره، وقرأ عليهم القرآن، وذكر أنهم أخواله، وسألهم أن يؤووه ويمنعوه حتى يبلغ رسالات ربه، فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا: والله هذا صادق، وإنه للنبي الذي يذكر أهل الكتاب ويستفتحون به عليكم، فاغتنموه وآمنوا به، فقالوا: أنت رسول الله، قد عرفناك وآمنا بك وصدقناك، فمرنا بأمرك فإنا لن نعصيك، فسر بذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجعل يختلف إليهم، ويزدادون فيه بصيرة، ثم أمرهم صلّى الله عليه وسلّم أن يدعوا قومهم إلى دينهم،

<<  <  ج: ص:  >  >>