للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد يجمع باشتراك من ذكر في كونهما كانا في حجورهم، أو بانتقال ذلك بعد أسعد إلى من ذكر واحدا بعد واحد، سيما وقد روى ابن زبالة عن ابن أبي فديك قال: سمعت بعض أهل العلم يقولون: إن أسعدا توفي قبل أن يا بني المسجد، فابتاعه النبي صلّى الله عليه وسلّم من ولي سهل وسهيل.

وروى ابن زبالة في خبر: كان مسجد النبي صلّى الله عليه وسلّم لسهل وسهيل ابني أبي عمرو من بني غنم، فأعطياه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فبناه مسجدا.

وفي الصحيح أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أرسل إلى ملأ بني النجار بسبب موضع المسجد، فقال:

يا بني النجار، ثامنوني «١» بحائطكم هذا، فقالوا: لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله.

وعند الإسماعيلي «إلا من الله» وهو ظاهر في أنهم لم يأخذوا له ثمنا.

وفي رواية في باب الهجرة من الصحيح بعد ذكر تأسيس مسجد قباء: ثم ركب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم راحلته، فسار يمشي معه الناس حتى بركت عند مسجد الرسول بالمدينة، وهو يصلي فيه يومئذ رجال من المسلمين، وكان مربدا للتمر لسهل وسهيل غلامين يتيمين في حجر أسعد بن زرارة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين بركت به راحلته: هذا إن شاء الله المنزل، ثم دعا الغلامين فساومهما بالمربد ليتخذه مسجدا، فقالا: بل نهبه لك يا رسول الله، فأبى أن يقبله منهما هبة حتى ابتاعه منهما، ثم بناه مسجدا.

ووقع في رواية ابن عيينة: فكلم عمهما- أي الذي كانا في حجره- أن يبتاعه منهما، فطلبه منهما فقالا: ما تصنع به؟ فلم يجد بدا من أن يصدقهما، فأخبرهما أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أراده، فقالا: نحن نعطيه إياه، فأعطياه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فبناه، أخرجه الجندي. وطريق الجمع بين ذلك- كما أشار إليه الحافظ ابن حجر- أنهم لما قالوا لا نطلب ثمنه إلا إلى الله سأل عن من يختص بملكه منهم، فعينوا له الغلامين، فابتاعه منهما أو من وليهما أن كانا غير بالغين. وحينئذ فيحتمل أن الذين قالوا: «لا نطلب ثمنه إلا إلى الله» تحملوا عنه للغلامين بالثمن، فقد نقل ابن عقبة أن أسعد عوّض الغلامين عنه نخلا له في بني بياضة.

وتقدم أن أبا أيوب قال: هو ليتيمين لي، وأنا أرضيهما، فأرضاهما، وكذلك معاذ بن عفراء، فيكون ذلك بعد الشراء. ويحتمل أن كلا من أسعد وأبي أيوب وابن عفراء أرضى اليتيمين بشيء، فنسب ذلك لكل منهم. وقد روي أن اليتيمين امتنعا من قبول عوض، فيحمل ذلك على بدء الأمر، لكن يشكل على هذا ما نقل عن التاريخ الكبير لابن سعد أن الواقدي قال: إنه صلّى الله عليه وسلّم اشتراه من ابني عفراء بعشرة دنانير ذهبا، دفعها أبو بكر الصديق، وقد يقال: إن الشراء وقع من ابني عفراء لأنهما كانا وليين لليتيمين، ورغب أبو بكر في


(١) ثامنوني بحائطكم: ساوموني بحديقتكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>