للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسجد شيء منها، وكان باب عائشة مواجه الشام، وكان بمصراع واحد من عرعر أوساج.

وأسند يحيى من طريق الواقدي عن عبد الله بن يزيد الهذلي قال: رأيت بيوت أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم حين هدمها عمر بن عبد العزيز كانت من لبن «١» ، ولها حجر من جريد مطرورة بالطين، عددت تسعة أبيات بحجرها، وهي ما بين بيت عائشة إلى الباب الذي يلي باب النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى منزل أسماء بنت حسن اليوم.

قلت: وقوله «إلى الباب الذي يلي باب النبي صلّى الله عليه وسلّم» قد تقدم ما يؤخذ منه أن المراد به باب الرحمة، وقوله «إلى منزل أسماء إلى آخره» يقتضي أن البيوت المذكورة كان بعضها خارجا عن سمت «٢» المسجد؛ لأن بيت أسماء المذكور كان في مقابلة الباب الذي كان يلي باب النساء من شاميه، ويبعد أن يكون المسجد النبوي ممتدا إلى تلك الجهة في زمنه صلّى الله عليه وسلّم، لكن سيأتي في بيت فاطمة رضي الله عنها ما يصرح بأن بيتها كان ينتهي إلى الباب المذكور؛ فيحتمل أن المسجد كان ممتدا إليه، ويحتمل أن بعض البيت المذكور لم يكن في محاذاة المسجد، على أن البخاري روى في صحيحه حديث «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المسجد وعنده أزواجه فرجعن، فقال لصفية بنت حيي: لا تعجلي حتى أنصرف معك، وكان بيتها في دار أسامة، فخرج النبي صلّى الله عليه وسلّم معها- الحديث» .

وفي رواية له عن صفية قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معتكفا، فأتيته أزوره ليلا، فحدثته ثم قمت، فانقلبت، فقام معي ليقلبني، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد، فمر رجلان من الأنصار- الحديث.

وفي رواية له أنها جاءت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تزوره وهو معتكف في المسجد في العشر الأواخر من رمضان، ثم قامت تنقلب، فقام معها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى إذا بلغ قريبا من باب المسجد عند باب أم سلمة زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم مر بهما رجلان من الأنصار- الحديث، وهو يقتضي أن صفية لم يكن مسكنها في الحجر المحيطة بالمسجد.

ولم يتعرض ابن شبة لاتخاذ أسامة لدار، وذكر أن أباه اتخذ دارين إحداهما دخلت في المسجد لما زيد فيه، ولعلها المرادة والله أعلم.

ولنرجع إلى بقية ما أسنده يحيى عن عبد الله بن زيد، قال: ورأيت بيت أم سلمة زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم وحجرتها من اللبن، فسألت ابن ابنها، فقال: لما غزا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دومة الجندل بنت حجرتها بلبن، فلما قدم النبي صلّى الله عليه وسلّم نظر إلى اللبن ودخل عليها أول نسائه، فقال: ما هذا البناء؟ فقالت: أردت يا رسول الله أن أكف أبصار الناس، فقال: يا أم سلمة إن من شر ما


(١) اللّبن: ضرب من الطين يا بنى به دون أن يطبخ.
(٢) السمت: الطريق الواضح، والمقصود هنا طريق المسجد.

<<  <  ج: ص:  >  >>