للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن الناس شكوا إليه ضيق المسجد؛ فقوله: «لما أراد عثمان بناء المسجد» أي: على الهيئة التي بناه عليها، ويؤخذ من هذا إطلاق البناء المرغّب فيه في حق من جدد ووسع؛ لأن عثمان لم يبن المسجد كله إنشاء، وقوله «إنكم أكثرتم» أي: الكلام بالإنكار ونحوه.

وروى يحيى عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قال: لما ولي عثمان بن عفان سنة أربع وعشرين كلمه الناس أن يزيد في مسجدهم، وشكوا إليه ضيقه يوم الجمعة، حتى إنهم ليصلون في الرحاب، فشاور فيه عثمان أهل الرأي من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأجمعوا على أن يهدمه ويزيد فيه، فصلى الظهر بالناس ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:

أيها الناس، إني قد أردت أن أهدم مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأزيد فيه، وأشهد لسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة، وقد كان لي فيه سلف وإمام سبقني وتقدمني عمر بن الخطاب، كان قد زاد فيه وبناه، وقد شاورت أهل الرأي من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأجمعوا على هدمه وبنائه وتوسيعه، فحسّن الناس يومئذ ذلك ودعوا له، فأصبح فدعا العمال وباشر ذلك بنفسه، وكان رجلا يصوم الدهر ويصلي الليل، وكان لا يخرج من المسجد، وأمر بالقصّة المنخولة تعمل ببطن نخل، وكان أول عمله في شهر ربيع الأول من سنة تسع وعشرين، وفرغ منه حين دخلت السنة لهلال المحرم سنة ثلاثين، فكان عمله عشرة أشهر.

قلت: قوله أولا «لما ولي عثمان سنة أربع وعشرين» إلى قوله «فأصبح ودعا العمال» يفهم أنه في تلك السنة، وقوله أخيرا «وكان أول عمله إلى آخره» يأباه، وما ذكره أخيرا هو الصواب المذكور في كلام غيره؛ فيحمل ما ذكره أولا على أنه لم يشرع في المشاورة والعمارة عقب كلام الناس له، بل استمر تلك السنين، وربما تكرر الكلام فخطبهم في السنة التي وقعت فيها العمارة.

وقد روى رزين الخبر المذكور عن المطلب المذكور بلفظ: لما ولي عثمان وكان سنة أربع من خلافته كلمه الناس أن يزيد في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وشكوا إليه ضيقه، فشاور عثمان أهل الرأي، فأشاروا عليه بذلك، وذكر نحو ما تقدم، وينبغي حمله أيضا على أن الكلام وقع من الناس سنة أربع من خلافته وتأخرت العمارة إلى سنة تسع وعشرين- بتقديم المثناة الفوقية على السين- وإلا فهو مخالف لما تقدم؛ لأن عثمان رضي الله عنه ولي غرة المحرم افتتاح سنة أربع وعشرين، فسنة أربع من خلافته هي سنة سبع وعشرين- بتقديم السين على الموحدة- والأول هو الأصح؛ فقد روى يحيى وابن زبالة أن عثمان زاد في المسجد قبل أن يقتل بأربع سنين، وعثمان قتل في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين.

وقال الحافظ ابن حجر: كان بناء عثمان للمسجد سنة ثلاثين على المشهور، وقيل: في

<<  <  ج: ص:  >  >>