للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: وهذه الرواية نقلها رزين عن عبد الله بن عقيل، وساقها باللفظ السابق، إلا أنه قال: ورأيت القبور، فإذا قبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أمام، وذكر ما قدمنا عنه في الرواية الأولى، وهو مخالف لما في هذه الرواية، وهو أولى بالاعتماد؛ لأن هذه الرواية ضعيفة مع بعدها مما سيأتي في وصف الحجرة الشريفة، سيما على ما سبق من قسم عائشة رضي الله عنها الحجرة باثنين، ولها شاهد لكنه ضعيف أيضا، وهو ما في طبقات ابن سعد عن مالك بن إسماعيل- أظنه مولى لآل الزبير- قال: دخلت مع مصعب بن الزبير البيت الذي فيه يعني قبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فرأيت قبورهم مستطيلة، انتهى.

وفي رواية للآجري ما يوهم صفة ثامنة؛ فإنه ذكر عقب الخبر المتقدم عن رجاء بن حيوة في إدخال الحجرة في المسجد ما لفظه: قال رجاء: فكان قبر أبي بكر وسطه، ولم يذكر فيه عمر رضي الله عنه، فإن الضمير في قوله «وسطه» إن كان للبيت فواضح، وإن كان للنبي صلّى الله عليه وسلّم فهذه صفة أخرى، لكن ينبغي تأويلها أيضا على التجوز في لفظ الوسط ليوافق رواية غيره.

وأما ما أخرجه أبو يعلى عن عائشة: أبو بكر عن يمينه، وعمر عن يساره؛ فسنده ضعيف أيضا، ويمكن تأويله كما قاله الحافظ ابن حجر.

وحينئذ فلم يبق إلا الروايتان الأوليان فهما اللتان يتردد بينهما في الترجيح، والأولى هي المشهورة، ومقتضى تصحيح الحاكم لإسناد الثانية ترجيحها، وهي أصح الروايات، وقد اشتملت على أن القبور لم تكن مسنّمة «١» وقد قال يحيى: حدثني هارون بن موسى- قلت:

ولا بأس به- قال: حدثني غير واحد من مشايخ أهل المدينة أن صفات القبور الشريفة مسطوحة عليها بطحاء من بطحاء العرصة حمراء.

وروى ابن زبالة من طريق عمرة عن عائشة قالت: ربّع قبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وجعل رأسه مما يلي المغرب.

وأما ما في صحيح البخاري عن سفيان التمار أنه رأى قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم مسنما، زاد أبو نعيم في المستخرج: وقبر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما كذلك، ورواه ابن سعد عنه بلفظ: رأيت قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم وأبي بكر وعمر مسنّمة، فلا يعارض ما قدمناه؛ لأن سفيان ولد في زمان معاوية فلم ير القبر الشريف إلا في آخر الأمر، فيحتمل- كما قال البيهقي- أن القبر لم يكن في الأول مسنما، ثم سنم لما سقط عن الجدار؛ فقد روى يحيى عن عبد الله ابن الحسين قال: رأيت قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم مسنما في زمن الوليد بن هشام. وفي رواية أخرى


(١) سنّم القبر: رفعه وعلّاه عن وجه الأرض كالسنام ولم يسطحه.

<<  <  ج: ص:  >  >>