للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: وهذا كله صريح في مخالفة ما عليه الناس اليوم من أن قبرها في المشهد الآتي ذكره، وأول من ذكر أنها بذلك المشهد ابن النجار، وتبعه من بعده، ولم أقف له على مستند في ذلك، والأثبت عندي ما هنا؛ إذ يبعد أن يدفنها النبي صلى الله عليه وسلم بذلك الموضع القاصي ويترك ما قرب من عثمان بن مظعون وقد قال: «وأدفن إليه من مات من أهلي» ، وأيضا فلا يظهر أن الموضع المعروف بمشهدها من البقيع؛ لأن مشهد عثمان كما سيأتي ليس من البقيع، وهذا المشهد بطرف زقاق في شاميه إلى المشرق.

فإن قيل: النخيل التي تقابل هذا المشهد قال ابن النجار: إنها تعرف بالحمام، وقد قال في الرواية الأولى «مقابل حمام أبي قطيفة» .

قلت: الظاهر أن ذلك منشأ الوهم في ذلك، وبقية الرواية المذكورة.

وما نقله ابن شبة يدفع ذلك ويبين أن المراد موضع كان يعرف بحمام أبي قطيفة بجهة مشهد سيدنا إبراهيم، وكأن ابن النجار لم يقف إلا على صدر الرواية الأولى؛ فإنه قال: قبر فاطمة بنت أسد وعليها قبة في آخر البقيع، ثم ذكر صدر الرواية الأولى إلى قوله: مقابل حمام أبي قطيفة، ثم قال: واليوم يقابلها نخل يعرف بالحمام، انتهى.

على أن النخيل التي بقرب هذا المشهد هي التي تقابله من جهة المشرق والشام، وإنما يعرف قديما وحديثا بالخضاري، وإنما يعرف بالحمام النخل الذي في شامي مشهد سيدنا إبراهيم عند الكومة، وهو بعيد من المشهد المعروف بفاطمة، وإن كان في جهة مقابلته من المغرب، ومن تأمل ذلك علم أن التعريف به لما هو في جهة مشهد سيدنا إبراهيم أقرب، فهو شاهد لنا، وأيضا فاسم الحمام مذكور لمواضع بالمدينة، ولهذا أضافه إلى أبي قطيفة.

وقد روى ابن زبالة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بموضع حمام عبيد الله بن حسين الذي اشترى محمد بن زيد، فقدمه إلى البقيع قليلا، فقال: نعم موضع الحمام.

[القبور التي نزلها الرسول صلى الله عليه وسلم]

ونقل ابن شبة عن عبد العزيز بن عمران ما حاصله أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينزل في قبر أحد قط إلا خمسة قبور، ثلاث نسوة ورجلين، منها قبر خديجة بمكة، وأربع بالمدينة: قبر ابن خديجة كان في حجر النبي صلى الله عليه وسلم وتربيته، وهو على قارعة الطريق بين زقاق عبد الدار وبين البقيع الذي يتدافن فيه بنو هاشم، وقبر عبد الله المزني الذي يقال له ذو البجادين، وقبر أم رومان أم عائشة بنت أبي بكر، وقبر فاطمة بنت أسد أم عليّ، فأما ذو البجادين فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أقبل مهاجرا وسلك ثنية الغابر وعرت عليه الطريق وغلظت، فأبصره ذو البجادين فقال لأبيه: دعني أدلهم على الطريق، فأبى، فنزع ثيابه وتركه عريانا، فاتخذ عبد الله بجادا من شعر فطرحه على عورته، ثم عدا نحوهم، فأخذ بزمام راحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر قدومه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة موته ودفنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>