للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك، على أنه ليس فيه أنه كان يؤخذ للنقل من الحرم، وقد نقل أبو المعلى السبتي- وكذا خليل والتادلي المالكيون- كلام النووي في المنع من نقل تراب الحرم وأقروه؛ فالظاهر أنه جار على قواعدهم؛ إذ منها سد الذرائع. وقد قيل في سبب عبادة الأصنام: إن بعضهم كان يصحب معه الحجر من الحرم ليتبرك به، واستشكله البرهان بن فرحون بأمور: منها ما تقدمت الإشارة إلى جوابه، ومنها الإجماع على نقل ماء زمزم واستهداء النبي صلّى الله عليه وسلّم له من سهيل بن عمرو فبعث إليه منه، وجوابه أن ماء زمزم طعام طعم وشفاء سقم، مع أنه يخلف؛ فأشبه الحشيش الذي يخلف، ولهذا قال الشافعي: فأما ماء زمزم فلا أكره الخروج به، والماء ليس بشيء يزول ولا يعود، انتهى. مع أن المحذور المتقدم في الأحجار لا يتوقع مثله في الماء؛ إذ المقصود من نقله شربه وهو ظاهر، بخلاف الحجر وشبهه؛ فإن القصد التبرك به، وهو شيء لم يأذن به الله تعالى ولا رسوله صلّى الله عليه وسلّم ولذا أقول: إن من نقل من فخار الحرم كالكراريز «١» لحاجة استعمالها جاز له، ويحمل كلام من أطلق المنع على ما يراد للتبرك أو مع عدم الحاجة إليه، وإذا جاز أخذ حشيش الحرم للتداوي فهذا أولى، وإذا كان الاحتياج إلى آنية الذهب والفضة يجوّز استعمالها فهذا أولى، فإن أريد نقل ذلك لحاجة متوقعة في المستقبل فينبغي تخريجه على ما تقدم في أخذ نبات الحرم للدواء ونحوه، وقد قدمنا فيما جاء في ترابه استثناء تربة صعيب لما جاء فيها من التداوي، وأن الزركشي استثنى تربة حمزة رضي الله عنه لإطباق الناس على نقلها للتداوي بها من الصداع، وحكى البرهان ابن فرحون عن الإمام العالم أبي محمد عبد السلام بن إبراهيم بن ومصال الحاحاني، قال: نقلت من كتاب الشيخ العالم أبي محمد صالح الهزميري قال:

قال صالح بن عبد الحليم: سمعت أبا محمد عبد السلام بن يزيد الصنهاجي يقول: سألت أحمد بن يكوت عن تراب المقابر الذي كان الناس يحملونه للتبرك هل يجوز أو يمنع؟

فقال: هو جائز، وما زال الناس يتبركون بقبور العلماء والشهداء والصالحين، وكان الناس يحملون تراب قبر سيدنا حمزة بن عبد المطلب في القديم من الزمان. قال ابن فرحون عقبه: والناس اليوم يأخذون من تربة قريبة من مشهد سيدنا حمزة، ويعملون منها خرزا يشبه السبح، واستدل ابن فرحون بذلك على جواز نقل تراب المدينة، وقد علمت مما تقدم أن نقل تربة حمزة رضي الله عنه إنما هو للتداوي؛ ولهذا لا يأخذونها من نفس القبر، بل من المسيل الذي عنده المسجد «٢» ، ولئن صح مشروعية التبرك بتراب قبور


(١) الكراريز: أكواز ضيقة الرأس. واحدها: كراز.
(٢) المسيل الذي من جهة أحد، لا من القبلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>