للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن مخزوم، وهو جد سعيد [١] بن المسيب بن حزن بن أبى وهب، فتناول حجرا من الكعبة فوثب من يده فرجع إلى موضعه، فقال يا معشر قريش، لا تدخلن في بنيانها من كسبكم إلا طيبا، ولا تدخلوا فيها مهر بغى [٢] ، ولا ربا [٣] ولا مظلمة.

وقيل: إن الوليد بن المغيرة قال هذا.

فهدموها واقتسمت قريش عمارة البيت، فكان الباب لبني عبد مناف وبنى زهرة، وكان ما بين الركن الأسود واليماني لبني مخزوم وتيم وقبائل من قريش، وكان ظهرها لسهم وجمح، وكان شق الحجر لبني عبد الدار وبنى أسد، وبنى عدي بن كعب فبنوا حتى بلغ البناء موضع الركن [٤] ، فكانت كل قبيلة تريد أن ترفعه حتى تجاذبوا وتخالفوا وأعدوا للقتال، فبقوا أربع ليال أو خمس ليال، فقال أبو أمية المخزومي: يا معشر قريش، اجعلوا بينكم أول من يدخل من باب المسجد، فلما توافقوا على ذلك ورضوا به، دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: هذا الأمين قد رضينا به، فلما انتهى إليهم أخبروه الخبر، فقال: هلموا ثوبا، فأتوه به، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم الركن فيه بيده، ثم قال: لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب، ثم ارفعوا جميعا، فرفعوه حتى إذا بلغوا به موضعه، وضعه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده، ثم بنى عليه. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمى في الجاهلية: الأمين، قبل أن يوحى إليه.

وقيل: كان سبب بنائها أن السيل ملأ الوادي، ودخل الكعبة فتصدعت، فبنتها قريش.

وقيل: إن الّذي أشار بأول من يدخل أبو حذيفة بن المغيرة، وكانت هذه فضيلة لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سائر قريش، ومما قدمه الله له قبل المبعث من الكرامة.

[ذكر المبعث]

قَالُوا: بَعَثَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، وله أربعون سنة، وذلك في ملك أبرويز بن هرمز بن كسرى أنوشروان ملك الفرس.

وقال ابن المسيب: بعثه الله، عز وجل، وله ثلاث وأربعون سنة، فأقام بمكة عشرا، وبالمدينة عشرا.

وقال ابن إسحاق: بعثه الله وله أربعون سنة، فأقام بمكة ثلاث عشرة سنة، وبالمدينة عشرا.

وقيل: إنه كتم أمره ثلاث سنين، فكان يدعو مستخفيا إلى أن أنزل الله تعالى «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ٢٦: ٢١٤ [٥] » فأظهر الدعوة.


[١] كان من أعلام التابعين، قال عنه على بن المديني: «لا أعلم في التابعين أوسع علما منه، وهو عندي أجل التابعين، توفى سنة ٩٣، أو ٩٤، ينظر العبر للذهبى: ١- ١١٠.
[٢] البغي: الزانية.
[٣] عبارة السيرة ١- ١٩٤: «ولا بيع ربا» قال السهيليّ في الروض ١- ١٣١: «يدل على أن الربا كان محرما عليهم من في الجاهلية، كما كان الظلم والبغاء وهو الزنا، محرم عليهم، يعلمون ذلك ببقية من بقايا شرع إبراهيم عليه السلام» .
[٤] يعنى بالركن الحجر الأسود، سمى بذلك لأنه مبنى في الركن.
[٥] الشعراء: ٢١٤.
[أسد الغابة- كتاب الشعب]

<<  <  ج: ص:  >  >>