ذكر إفاضته عليه السلام إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ
قَالَ جَابِرٌ ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْبَيْتِ فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ فَأَتَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُمْ يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ. فَقَالَ: انْزِعُوا بنى عبد المطلب فلولا أن تغلبكم النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ، فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَفِي هَذَا السِّيَاقِ ما يدل على أنه عليه السلام رَكِبَ إِلَى مَكَّةَ قَبْلَ الزَّوَالِ فَطَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ صَلَّى الظُّهْرَ هُنَاكَ. وَقَالَ مُسْلِمٌ أَيْضًا أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنْبَأَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَاضَ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ رَجَعَ فَصَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى. وَهَذَا خِلَافُ حَدِيثِ جَابِرٍ وَكِلَاهُمَا عِنْدَ مُسْلِمٍ، فَإِنْ عللنا بهما أمكن أن يقال إنه عليه السلام صَلَّى الظُّهْرَ بِمَكَّةَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِنًى فَوَجَدَ النَّاسَ يَنْتَظِرُونَهُ فَصَلَّى بِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ورجوعه عليه السلام إِلَى مِنًى فِي وَقْتِ الظُّهْرِ مُمْكِنٌ لِأَنَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ كَانَ صَيْفًا وَالنَّهَارُ طَوِيلٌ وَإِنْ كان قد صدر منه عليه السلام أَفْعَالٌ كَثِيرَةٌ فِي صَدْرِ هَذَا النَّهَارِ فَإِنَّهُ دَفَعَ فِيهِ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ بَعْدَ مَا أَسْفَرَ الْفَجْرُ جِدًّا وَلَكِنَّهُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، ثُمَّ قَدِمَ مِنًى فَبَدَأَ بِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ. ثُمَّ جَاءَ فَنَحَرَ بِيَدِهِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بدنة ونحر عليّ بقية المائة، ثم أخذت مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بَضْعَةً وَوُضِعَتْ فِي قِدْرٍ وَطُبِخَتْ حَتَّى نَضِجَتْ فَأَكَلَ مِنْ ذَلِكَ اللَّحْمِ وشرب من ذلك المرق. وفي غبون [١] ذلك حلق رأسه عليه السلام وَتَطَيَّبَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ رَكِبَ الى البيت وقد خطب عليه السلام فِي هَذَا الْيَوْمِ خُطْبَةً عَظِيمَةً وَلَسْتُ أَدْرِي أَكَانَتْ قَبْلَ ذَهَابِهِ إِلَى الْبَيْتِ أَوْ بَعْدَ رجوعه منه الى منى فاللَّه أعلم. والقصد أَنَّهُ رَكِبَ إِلَى الْبَيْتِ فَطَافَ بِهِ سَبْعَةَ أَطْوَافٍ رَاكِبًا وَلَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، ثُمَّ شَرِبَ مِنْ ماء زمزم ومن نبيذ تمر مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ. فَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يُقَوِّي قول من قال: إنه عليه السلام صَلَّى الظُّهْرَ بِمَكَّةَ كَمَا رَوَاهُ جَابِرٌ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ رَجَعَ إِلَى مِنًى فِي آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ بِمِنًى الظُّهْرَ أَيْضًا. وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَشْكَلَ عَلَى ابْنِ حَزْمٍ فَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ فِيهِ وَهُوَ مَعْذُورٌ لِتَعَارُضِ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْمَعْنَى. قَالَا: ثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأحمر عن محمد بن إسحاق عن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِنًى فَمَكَثَ بِهَا لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يَرْمِي الْجَمْرَةَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ كل جمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حَصَاةٍ. قَالَ: ابْنُ حَزْمٍ فَهَذَا جَابِرٌ وَعَائِشَةُ قد اتفقا على أنه عليه السلام صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ وَهُمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَضْبَطُ لِذَلِكَ مِنَ ابْنِ عُمَرَ. كَذَا قَالَ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ فَإِنَّ رِوَايَةِ عَائِشَةَ هَذِهِ ليست ناصة أنه
[١] كذا في الأصلين ولعله تصحيف (غضون ذلك) أي في أثناء ذلك.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute