عَلِيٍّ قَدْ تَوَجَّهَ إِلَى الْعِرَاقِ، فَلَحِقَهُ عَلَى مسيرة ليلتين أو ثلاث من المدينة، قال: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ الْعِرَاقَ وَمَعَهُ طَوَامِيرُ وَكُتُبٌ، فَقَالَ: لَا تَأْتِهِمْ، فَقَالَ: هَذِهِ كُتُبُهُمْ وَبَيْعَتُهُمْ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ خَيَّرَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَاخْتَارَ الْآخِرَةَ وَلَمْ يُرِدِ الدُّنْيَا، وَإِنَّكُمْ بَضْعَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاللَّهِ لَا يَلِيهَا أَحَدٌ مِنْكُمْ أَبَدًا، وَمَا صَرَفَهَا عَنْكُمْ إلى الّذي هو خير منكم، فَارْجِعُوا، فَأَبَى وَقَالَ: هَذِهِ كُتُبُهُمْ وَبَيْعَتُهُمْ، قَالَ: فَاعْتَنَقَهُ ابْنُ عُمَرَ وَقَالَ: أَسْتَوْدِعُكَ اللَّهَ مِنْ قَتِيلٍ، وَقَدْ وَقَعَ مَا فَهِمَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مِنْ ذَلِكَ سَوَاءً، مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَلِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ الْخِلَافَةَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْلَالِ وَيَتِمَّ لَهُ الْأَمْرُ، وَقَدْ قَالَ ذَلِكَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ لَا يَلِي أَحَدٌ مِنْ أهل البيت أبدا ورواه عنهما أبو صالح الخليل بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عِيسَى بْنِ الشَّيْخِ فِي كِتَابِهِ الْفِتَنِ وَالْمَلَاحِمِ. قُلْتُ: وَأَمَّا الْخُلَفَاءُ الْفَاطِمِيُّونَ الَّذِينَ كَانُوا بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، فَإِنَّ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُمْ أَدْعِيَاءُ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ليس مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، وَمَعَ هَذَا لَمْ يَتِمَّ لَهُ الْأَمْرُ كَمَا كَانَ لِلْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ قَبْلَهُ، وَلَا اتَّسَعَتْ يَدُهُ فِي الْبِلَادِ كُلِّهَا، ثُمَّ تَنَكَّدَتْ عَلَيْهِ الْأُمُورُ، وَأَمَّا ابْنُهُ الْحَسَنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَمَّا جَاءَ فِي جُيُوشِهِ وَتَصَافَى هُوَ وَأَهْلُ الشَّامِ، وَرَأَى أَنَّ الْمَصْلَحَةَ فِي تَرْكِ الْخِلَافَةِ، تَرَكَهَا للَّه عَزَّ وَجَلَّ، وصيانة لدماء المسلمين، أثابه الله ورضى الله عَنْهُ، وَأَمَّا الْحُسَيْنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّ ابْنُ عُمَرَ لَمَّا أَشَارَ عَلَيْهِ بِتَرْكِ الذَّهَابِ إِلَى الْعِرَاقِ وَخَالَفَهُ، اعْتَنَقَهُ مُوَدِّعًا وَقَالَ: أَسْتَوْدِعُكَ اللَّهَ مِنْ قَتِيلٍ، وَقَدْ وَقَعَ مَا تَفَرَّسَهُ ابْنُ عُمَرَ، فَإِنَّهُ لَمَّا اسْتَقَلَّ ذَاهِبًا بَعَثَ إِلَيْهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ بِكَتِيبَةٍ فِيهَا أربعة آلاف يتقدمهم عمرو بن سعد ابن أَبِي وَقَاصٍّ، وَذَلِكَ بَعْدَ مَا اسْتَعْفَاهُ فَلَمْ يُعْفِهِ، فَالْتَقَوْا بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ كَرْبَلَاءُ بِالطَّفِّ، فالتجأ الحسين ابن عَلِيٍّ وَأَصْحَابُهُ إِلَى مَقْصَبَةٍ هُنَالِكَ، وَجَعَلُوهَا مِنْهُمْ بِظَهْرٍ، وَوَاجَهُوا أُولَئِكَ، وَطَلَبَ مِنْهُمُ الْحُسَيْنُ إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ يَدَعُوهُ يَرْجِعُ مِنْ حَيْثُ جَاءَ، وَإِمَّا أَنْ يَذْهَبَ إِلَى ثَغْرٍ مِنَ الثُّغُورِ فَيُقَاتِلَ فِيهِ، أَوْ يَتْرُكُوهُ حَتَّى يَذْهَبَ إِلَى يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ فَيَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِهِ. فَيَحْكُمَ فِيهِ بِمَا شَاءَ، فَأَبَوْا عَلَيْهِ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ، وَقَالُوا: لَا بُدَّ مِنْ قُدُومِكَ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ فَيَرَى فِيكَ رَأْيَهُ، فَأَبِي أَنْ يَقَدَمَ عَلَيْهِ أَبَدًا، وَقَاتَلَهُمْ دُونَ ذَلِكَ، فَقَتَلُوهُ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَذَهَبُوا بِرَأْسِهِ إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ فَوَضَعُوهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِقَضِيبٍ فِي يَدِهِ عَلَى ثَنَايَاهُ، وَعِنْدَهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ جَالِسٌ، فَقَالَ لَهُ: يَا هَذَا، ارْفَعْ قَضِيبَكَ، قَدْ طَالَ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقْبَلُ هَذِهِ الثَّنَايَا، ثُمَّ أَمَرَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ أَنْ يُسَارَ بِأَهْلِهِ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ إِلَى الشَّامِ، إِلَى يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ بَعَثَ مَعَهُمْ بِالرَّأْسِ حَتَّى وُضِعَ بَيْنَ يَدَيْ يَزِيدَ فَأَنْشَدَ حِينَئِذٍ قَوْلَ بَعْضِهِمْ:
نُفَلِّقُ هَامًا مِنْ رِجَالٍ أَعِزَّةٍ ... عَلَيْنَا وَهُمْ كَانُوا أَعَقَّ وَأَظْلَمَا
ثُمَّ أَمَرَ بِتَجْهِيزِهِمْ إِلَى الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ، فَلَمَّا دَخَلُوهَا تَلَقَّتْهُمُ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ناشرة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute