للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شهرا حتى بلغا مَا جَاءَا لَهُ، ثُمَّ تَقَاضَاهُ الْجَوَابَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُمَا: ارْجِعَا إِلَى صَاحِبِكُمَا فَأَخْبِرَاهُ أَنَّ رَبِّي قَدْ قَتَلَ اللَّيْلَةَ رَبَّهُ، فَأَرَّخَا ذَلِكَ عِنْدَهُمَا ثُمَّ رَجَعَا سَرِيعًا إِلَى الْيَمَنِ فَأَخْبَرَا بَاذَامَ بِمَا قَالَ لَهُمَا فَقَالَ:

أَحْصُوا تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَإِنْ ظَهَرَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ فَهُوَ نَبِيٌّ، فَجَاءَتِ الْكُتُبُ مِنْ عِنْدِ مَلِكِهِمْ أَنَّهُ قَدْ قُتِلَ كِسْرَى فِي لَيْلَةِ كَذَا وَكَذَا، لِتِلْكَ اللَّيْلَةِ، وَكَانَ قَدْ قَتَلَهُ بَنُوهُ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:

وَكِسْرَى إِذْ تَقَاسَمُهُ بَنُوهُ ... بِأَسْيَافٍ كَمَا اقْتُسِمَ اللِّحَامُ

تَمَخَّضَتِ الْمَنُونُ لَهُ بِيَوْمٍ ... أَنَى وَلِكُلِّ حَامِلَةٍ تَمَامُ

وَقَامَ بِالْمُلْكِ بَعْدَهُ وَلَدُهُ يَزْدَجِرْدُ وَكَتَبَ إِلَى بَاذَامَ أن خذ لي البيعة من قبلك، واعمد إلى ذلك الرجل فلا تهنه وأكرمه، فدخل الإسلام في قلب باذام وذريته مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسَ مِمَّنْ بِالْيَمَنِ، وَبَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِسْلَامِهِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنِيَابَةِ الْيَمَنِ بِكَمَالِهَا، فَلَمْ يَعْزِلْهُ عَنْهَا حَتَّى مَاتَ، فَلَمَّا مَاتَ اسْتَنَابَ ابْنَهُ شَهْرَ بن باذام على صنعاء وبعض مخاليف، وَبَعَثَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ نُوَّابًا عَلَى مَخَالِيفَ أُخَرَ، فَبَعَثَ أَوَّلًا فِي سَنَةِ عَشْرٍ، عَلِيًّا وَخَالِدًا، ثُمَّ أَرْسَلَ مُعَاذًا وَأَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ وَفَرَّقَ عِمَالَةَ الْيَمَنِ بَيْنَ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَمِنْهُمْ شَهْرُ بْنُ بَاذَامَ، وَعَامِرُ بْنُ شَهْرٍ الهمدانيّ، على همدان، وأبو موسى على ما رب، وخالد بن سعيد بن العاص على عامر نجران ورفع وزبيد، ويعلى ابن أُمَيَّةَ عَلَى الْجَنَدِ، وَالطَّاهِرُ بْنُ أَبِي هَالَةَ على عل والأشعريين، وعمرو بن حرام عَلَى نَجْرَانَ، وَعَلَى بِلَادِ حَضْرَمَوْتَ زِيَادُ بْنُ لبيد، وعلى السكاسك عكاشة بن مور بن أخضر، وعلى السكون مُعَاوِيَةَ بْنِ كِنْدَةَ، وَبَعَثَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ مُعَلِّمًا لِأَهْلِ الْبَلَدَيْنِ- الْيَمَنِ وَحَضْرَمَوْتَ- يَتَنَقَّلُ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ، ذَكَرَهُ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ، وذلك كله في سنة عشر، آخِرِ حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إِذْ نَجَمَ هَذَا اللَّعِينُ الْأَسْوَدُ الْعَنْسِيُّ.

خُرُوجُ الْأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ

وَاسْمُهُ عَبْهَلَةُ بْنُ كَعْبِ بْنِ غَوْثٍ- مِنْ بلد يقال لها: كهف حنان- فِي سَبْعِمِائَةِ مُقَاتِلٍ، وَكَتَبَ إِلَى عُمَّالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أيها المتمردون عَلَيْنَا، أَمْسِكُوا عَلَيْنَا مَا أَخَذْتُمْ مِنْ أَرْضِنَا، وَوَفِّرُوا مَا جَمَعْتُمْ، فَنَحْنُ أَوْلَى بِهِ، وَأَنْتُمْ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ، ثُمَّ رَكِبَ فَتَوَجَّهَ إِلَى نَجْرَانَ فَأَخَذَهَا بَعْدَ عَشْرِ لَيَالٍ مِنْ مَخْرَجِهِ ثُمَّ قَصَدَ إِلَى صَنْعَاءَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ شَهْرُ بْنُ بَاذَامَ فَتَقَاتَلَا، فَغَلَبَهُ الْأَسْوَدُ وَقَتَلَهُ، وَكَسَرَ جَيْشَهَ مِنَ الْأَبْنَاءِ وَاحْتَلَّ بَلْدَةَ صَنْعَاءَ لِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً مِنْ مَخْرَجِهِ، فَفَرَّ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ مِنْ هُنَالِكَ وَاجْتَازَ بِأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، فَذَهَبَا إِلَى حَضْرَمَوْتَ وَانْحَازَ عُمَّالُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الطَّاهِرِ، ورجع عمر بن حرام وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَاسْتَوْثَقَتِ الْيَمَنُ بِكَمَالِهَا لِلْأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ، وَجَعَلَ أَمْرُهُ يَسْتَطِيرُ اسْتِطَارَةَ الشَّرَارَةِ، وَكَانَ جَيْشُهُ يَوْمَ لَقِيَ شَهْرًا سَبْعَمِائَةِ فَارِسٍ، وَأُمَرَاؤُهُ قَيْسُ بْنُ عَبْدِ يغوث ومعاوية

<<  <  ج: ص:  >  >>